الفساد عنوان كبير له كثير من المفاهيم التي تدور حول مخالفة القانون من أجل الحصول على منافع شخصية أو فئوية، وإذا ما عرفنا أنَّ الأصل في القانون هو تنظيم العلاقات وحماية جميع الأطراف من بعضها وحفظ حقوقها وكرامتها، نعرف أنَّ وجود الفساد يُعبر عن خلل ما في هذا القانون وفي تطبيقه في المقام الأول، انطلاقاً من ذلك أجد أنَّ الحديث الأكثر أهمية من الفساد كأحد أهم عوامل تخلف المجتمعات وانحطاطها هو الحديث عن القانون كمادة تتضمن جميع التفاصيل التي تحقق العدالة والكرامة والتقدم، على أن تكون هذه التفاصيل على نحو واضح لا يسمح بتعدد الأفهام والاجتهادات. هناك كثير من القيادات المجتهدة في القطاعات المختلفة لم تبذل جهدها في صناعة القانون، ما جعل منظماتها تتغير سلبا بتركهم لها، الإداري الجيد كما أعتقد هو من يستطيع أن يخلق الأدوات القادرة على استمرارية أداء المنظمة بشكل جيد حتى بعد خروجه منها، وهذا تماماً ما أعنيه بالقانون، فوجود كتاب يتضمن كافة تفاصيل العلاقات وأنظمتها وعقوبات مخالفيها هو ما يجعل أسباب استمرار المنظمة وبذات الجودة أمراً ممكنا حال تطبيق القانون، وإذا لم يتم العمل على ذلك فسأعتذر بوصف هذا الإداري بأنَّه يفتقد لأهم ركن من أركان الإداري الناجح، أرامكو ربما تصلح كمثال على الاستمرارية في الجودة، ذلك أنَّها تأسست أول الأمر على قوانين محكمة وضعها الرعيل الأول من إدارييها، هذه الأنظمة جعلت أداء الشركة لا يختلف بتعاقب الوجوه وإن كان بعض منسوبيها الآن يرفضون النظرة الوردية إليها مؤكدين أنَّ خروقات النظام باتت كثيرة، وكيفما كان تبقى أرامكو نموذجا رائداً في القانون والجودة لدينا في المملكة. الجهل بالقانون من جانب آخر يُساعد في تحقق الفساد، فالطرف الذي لا يعرف حقوقه لا يستطيع تقييم ما يواجهه من الأطراف المختلفة وبالنتيجة يقرر رفض الخطأ أو يطالب بحقه جمعتني شخصياً كثير من اللقاءات مع موظفين من القطاعين الحكومي والخاص يصلحون بأجمعهم ليكونوا عينة ممثلة لمجتمع الموظفين في المملكة، النسبة الأكبر منهم لا تدرك ولا تعرف شيئا عن قانون العمل السعودي، هذا النوع من الجهل يمثل كما أعتقد كارثة حقيقية على المجتمع، ذلك أنَّ الفاسد يستغل الجهل لتمرير ما هو مخالف للقانون، كما أنَّ الفرصة ستكون مواتية جداً لأي ظالم ومستبد ومحابٍ لمزاولة هوايته في العنصرية وظلم الآخرين، ذلك أنَّ أحداً ممن حوله لا يملك أي مستوى من الإحاطة ليستنكر عليه فعله. لم ينمُ مجتمع أو يتقدم إلا حينما دوَّن القانون كمادة تفصيلية واضحة الدلالة لا تحتمل تعدد الأفهام ثم جعلها فوق سلطته التنفيذية، ولم تتقدم شركة إلا حينما فعلت ذلك، وكلما زادت التفاصيل الصغيرة كلما ازدادت قدرته على تحقيق رسالته وأهدافه، ما ينبغي أن يعيه أي إداري وفي أي منظمة أنَّ صناعة القانون هي أول خطوة في اتجاه النجاح، ودون ذلك ستبقى الأسباب دائما مواتية لانهيار هذا البناء وتخلفه، كما أنَّ الموظف ينبغي عليه أن يعرف القانون ليعرف حقوقه جيداً، ويعي أن كل من يمنعه من معرفة حقوقه هو شخص يسعى لاستغلال الجهل لممارسة هوايته في مخالفة النظام لخدمة أغراضه الشخصية والفئوية.