أن نفتخر بموروثنا أو نعتز بقيمنا أو نشيد بأمجادنا أو نتغنى بتاريخنا، فإن ذلك لا يعني أن نتجاهل واقعنا الذي هو محك تقييمنا في نظر الآخرين، فتقدم المجتمعات والشعوب والدول هو ما يرسم على أرض الواقع الصورة التي يراها الناس عنا والمثال الحي الذي يشهد لنا أو علينا. وبقاء الصورة ناصعة مشرقة عن أي مجتمع هي مسؤولية مشتركة، والتحدي اليوم كبير بسبب التقارب التقني الذي اختزل المسافات وجعل من العالم الفسيح شاشة صغيرة نرى من خلالها الوقائع والأحداث برغم بعدها الجغرافي، وكلما كانت الصورة حية ومنقولة بشكل مباشر يراها القاصي والداني كلما كان الخطب أكبر والأمر جللاً، فالناس اليوم وبفعل الإعلام الرقمي يروننا من خلال نوافذ تعكس لديهم الصورة الإيجابية أو السلبية عنا، فما بالك عندما تتعدد النوافذ وتكثر الزوايا التي تجعل من تلك الصورة حقيقة راسخة في أذهان من يشاهدها سواء قرب أم بعد، وكيف لو كانت الصورة سلبية قاتمة، وكيف لو كانت الصورة تمثل مجتمعاً أو شعباً بعينه بحيث لو علق عليها المشاهد لها لعمم الحكم فيها على أهل بلد بعينه والمثل يقول الخير يخص والشر يعم. نعم أصبح العالم سطح شاشة ناطقة تظهر كل شيء دون فلترة أو مقص رقيب أو رتوش لأن الجميع أصبح بمنزلة مراسل في شبكة الإعلام الرقمي شعر بذلك أم لم يشعر. وهنا تستحضر المسؤولية الجماعية التي يجب أن تكون ذاتية في المقام الأول ثم تأخذ بعدها التشريعي والقانوني بغية المحافظة على المكانة والسمعة التي يجب أن لا يسمح لتصرف غير مسؤول أن يخدشها أو أن يسيء إليها. ولعل الجميع يعلم أن هناك بعض الصور النمطية التي يحاول البعض أن يمرر من خلالها ثقافة الانفلات وعدم الانضباط والتخلي عن الشعور بالمسؤولية فعندما ينشر مقطع لأشخاص يتهورون في قيادة سياراتهم ويمارسون سلوكيات مشينة وسط حضور جماهيري كبير ومن ثم ينسب المقطع للبلد فهذه إساءة لكل من ينتمي لهذا البلد، وأن يظهر مقطع مصور لولائم البذخ والتفاخر والإسراف والتبذير فهذا إساءة للبلد، وأن ينشر مقطع يحوي الإساءة لحيوان أو طير أو صيد جائر فذاك إساءة للوطن وأهله، وأن تنشر مقاطع لتحرش في الأماكن العامة ونحن بلد محافظ فذاك إساءة للمجتمع، والأمثلة في ذلك كثيرة ومتعددة. وهذه المستجدات من المظاهر غير اللائقة تتطلب توعية بنتائجها العكسية وأضرارها على المجتمع خاصة أن المجتمع مجتمع مسلم له قيمه وآدابه التي يفرضها عليه دينه ويحرم عليه مخالفتها، أضف إلى ذلك الخصوصية التي حبانا الله بها وهي كوننا أهل بلاد الحرمين حيث ينظر إلينا بأن علينا مسؤولية خاصة في أعين عامة المسلمين ممن يزورون الحرمين أو يسمعون عنا وهم في بلدانهم، وعلى كل من يمارس هذا السلوك اللا مسؤول أن يفكر ملياً قبل أن ينشر أي مقطع بالضرر العام الذي يلحقه بصورة بلده ومجتمعه وهذا لا يقتصر على من نشر المقطع بل ويدخل في ذلك من ارتكب ذلك العمل ومن قام بتصويره فهم جميعاً يتحملون جزءًا من المسؤولية. ومع التوعية لابد من سن قوانين وتشريعات تقضي على هذه السلبيات وتحاربها وهذا مطلب شرعي عملاً بقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم «لتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً» فليس من المعقول أو المقبول أن تهدر الموارد أو تُستباح الثوابت أو تخالف القيم ولا رقيب ولا حسيب، وأن تمر هذه الأمور دون مساءلة من الجهات ذات العلاقة. نعم نحن شركاء في الوطن وفي المسؤولية والحقوق والواجبات والحفاظ على المكتسبات فالمركب واحد والمصير مشترك.