جاء النبأ الأليم في يوم الجمعة 1437/1/3 معلناً نبأ انتقال حبيبنا وصديقنا الدكتور علي بن عبدالعزيز العبدالقادر إلى جوار ربه رحمه الله رحمة واسعة، والدكتور علي رفيق الدرب وصديق العمر، وزميل الدراسة حينئذ خيم الحزن على القلوب والألم على النفوس. وارتفعت الأكف بالتضرع والدعاء. والحمد والثناء، ولله ما أخذ وما أعطى ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى: إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا لفراقك يا أبا عبدالعزيز لمحزنون ولكن عزاؤنا الوحيد أنك ذهبت إلى رب رحيم يغفر الذنب العظيم. نعم الكل مثقل بالحزن والآلام، لعل الدمع يكفكف ألم الرحيل لكنه لا يخفف لوعة الفراق. ولكننا نؤمن ونصدق بأن الموت حق ولقاء الله حق وأن العين لتدمع والقلب ليخشع، وكل نفس ذائقة الموت. أجل لقد كان حزني لفراقك يا أبا عبدالعزيز أضعافا مضاعفة حيث استبدت بي هموم الذكريات لأيام مضت وذكريات سلفت ومواقف دونت وسنين انصرمت يعجز البيان عن وصفها واللسان عن ذكرها ففي لحظات الأحزان تختلط كل الألوان ولم يبق في هذه الحياة إلا لون واحد جلي، هو لون الوفاء. لون المحبة والصدق والإخاء أبا عبدالعزيز لقد عرفتك منذ الصغر ويوم أن كنت طالبا متفوقا متميزا في مدرسة الكوت الابتدائية حتى نهاية عام 1374 ه. وكنت معك مع لفيف من الزملاء والأخيار وتسودنا الألفة والمحبة والتعاون في كل الأمور، وكان رحمه الله يتمتع بصفات نبيلة، وخصال حميدة، وكان التنافس الشريف بيننا على أشده، وكان لا يعرف التشاؤم ولا اليأس، بل كان محبا للناس جميعا. لقد كنا في الصف الثالث الابتدائي وأعجب المعلمون بنشاطنا وجدنا واجتهادنا فقررت إدارة المدرسة في عهد إدارة الدكتور عبدالله العلي آل الشيخ مبارك رحمه الله تعالى بترفيعنا إلى الصف الخامس وكانت خطوة موفقة ناجحة، وكان الأثر الكبير في نفوسنا. ومن الذكريات التي لا تنسى، أننا نجتمع سويا مع طلاب الفصل جميعا في كل ليلة في منزل واحد منا، نستفيد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونتبادل الأحاديث الودية، والمساجلات الشعرية ونتلو القطع الأدبية وفي كل نهاية أسبوع نقوم برحلة إلى عين أم سبعة ونطبخ الطعام هناك وأحيانا نجدد اللقاء في إحدى المزارع الأخرى وكنا نستفيد من جلساتنا ومحادثاتنا ومدارسة كل ما يتعلق بأمور حياتنا. في عام 1374 ه تخرجنا في المرحلة الابتدائية وامتطى كل إنسان منا طريقه وكان المرحوم بيننا يتحفنا بمداعباته ونكته وفوائده وتعليقاته. وفي عام 1375 ه تعين الدكتور علي بمدرسة الرفعة الابتدائية، ثم وكيلا لها وشق طريقه لمواصلة الدراسة منتسبا حتى حصل على المتوسطة والثانوية ومن ثم حصل على عدة دورات في بيروت والطائف وفي عام 1382ه عمل أمينا لمكتبة جامعة الملك سعود بالرياض ثم عاد إلى الأحساء. وفي عام 1384 ه عمل وكيلا لثانوية الهفوف ثم مديرا لها حتى عام 1392 ه، حصل على شهادة الماجستير والدكتوراه من أمريكا عام 1397 ه. انتقل إلى جامعة الملك فيصل بالأحساء وعمل بها في مجالات متعددة متنوعة حتى تقاعد عام 1415 ه. ومن هنا ألقى عصا الترحال ليتفرغ للحياة الجديدة، ويواصل مسيرة العطاء والتجديد والابتكار، وليشق طريقه في الحياة بكل ثقة وأمانة واقتدار. أبا عبدالعزيز مهما قلت من كلمات، وسطرت من عبارات فلن أوفيك حقك، ولن أجزيك عطاءك، والحديث عنك قد يطول ويطول، فطالما كانت لك صولات وجولات وإبداعات في مختلف المجالات، وندوات ومحاضرات في مختلف المناسبات. نعم لقد اقتبست من الحياة دروسا عديدة، واكتسبت مهارات فريدة، وكونت علاقات مميزة، وبنيت جسورا من المحبة والمودة وخضت معترك الحياة بكل تحد وإصرار وشكيمة واقتدار فلك الحمد يارب والشكر فلقد فتحت قلبك قبل أن تفتح مجلسك، ليكون أشبه بندوة أدبية شعرية ثقافية. ورغم ما كنت تعانيه من ألم ومرض فكنت لا تشكو همك إلا لله سبحانه وتعالى، فكنت تستقبل الضيوف بنفس هادئة راضية مرضية، مؤمنا بقضاء الله وقدره، وكنت رابط الجأش، وتسأل عن هذا وذاك، تأخذ من هذا وترد على ذاك. رحمك الله أبا عبدالعزيز وجمعنا وإياك في جنات النعيم إنه سميع مجيب.