فيما تجمَّع آلاف المحتجِّين في وسط أنقرة أمس حداداً على ضحايا انفجارين دمويين وقعا فيها؛ تحدَّث مصدران تركيان عن «مؤشراتٍ أولى» توحي بتورط تنظيم «داعش» في الهجومين، بينما أكد مصدرٌ ثالث عدم وجود نيَّة لتأجيل الانتخابات التشريعية المبكِّرة في البلاد. في غضون ذلك؛ واصلت المقاتلات الحكومية قصف معسكراتٍ لحزب العمال الكردستاني المتمرد الذي أعلن وقفاً لعملياته. وردَّد المتجمِّعون على مقربةٍ من موقع الانفجارين هتافاتٍ مناهضة لحكومة أحمد داود أوغلو وللرئيس رجب طيب أردوغان، ووقفوا حداداً على أرواح الضحايا الذين قدَّرت السلطات عددهم ب 95 قتيلاً و160 مصاباً يتلقون العلاج في المستشفيات وبينهم 65 في العناية المركزة. وقدَّم حزب الشعوب الديمقراطي، رابع أكبر قوة نيابية تركية، حصيلةً مختلفة، مُقدِّراً عدد القتلى ب 128 شخصاً. ولفت الحزب، المؤيد للأكراد، إلى تمكُّن أعضائه من تحديد هويات كافة القتلى باستثناء 8 فقط. ونُفِّذ التفجيران صباح أمس الأول حينما كان نشطاء أكراد ويساريون يتجمَّعون في محيط محطة القطارات الرئيسة في العاصمة أنقرة لتنظيم مسيرة من أجل السلام. وأسفر الانفجار الهائل في محيط المحطة عن تناثر الأشلاء على الأرض في مشهدٍ أحدث صدمةً هائلةً قبل 3 أسابيع من إجراء انتخابات تشريعية مبكرة. واتهم حزب الشعوب قوات الشرطة بمهاجمة قادته وأنصاره حينما حاولوا وضع أكاليل من الزهور في موقع الهجومين. وذكر في بيانٍ أن «بعضهم أصيبوا بجراح في العراك». وتجمَّعت حشودٌ غاضبةٌ في ميدان سيهيي على مقربةٍ من محطة القطارات وهتفت ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وأجهزته الأمنية، بينما أغلقت شرطة مكافحة الشغب الطريق السريعة الرئيسة المؤدية إلى مقار الحكومة والبرلمان واستخدمت مدافع المياه لتفريق المتظاهرين. وترفض الحكومة أي إيحاءات بضلوعها في قتل النشطاء. وألمح رئيسها داود أوغلو إلى احتمال تورط «داعش» أو حزب العمال المتمرد أو حزب التحرر الثوري اليساري في العمل الإرهابي في العاصمة، إذ أشار إلى التنظيمات الثلاثة باعتبارها قادرة على تنفيذ تفجيرات انتحارية. واعتبرت مصادر أن قوميين متشددين قد يكونون مسؤولين عن الهجومَين لمعارضتهم أي توافقٍ بين الدولة والأكراد الساعين إلى تأمين مزيدٍ من الحقوق. وواصل المحققون عملهم أمس لتحديد هوية الجناة والضحايا، في الوقت الذي عكست فيه عناوين الصحف المحلية مشاعر مختلطة من الحزن والغضب. وكتبت صحيفة «جمهوريت» العلمانية في صدر صفحتها الأولى «نحن في حداد من أجل السلام»، بينما بدأ حداد رسمي أعلنه أوغلو ل 3 أيام. وأبدت صحف أخرى غضباً عاماً، وكتبت صحيفة «خبر ترك» أن «الحثالة هاجمت في أنقرة»، أما صحيفة «ستار» الموالية للحكومة فكتبت «الهدف تقسيم الأمة». ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العمليتين اللتين وُصِفَتا بالأكثر دموية في تاريخ البلاد الحديث. وأفاد بيانٌ صادرٌ عن مكتب رئيس الوزراء ب «اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحديد هوية من يقف وراء الهجوم حتى يمثل سريعاً أمام القضاء». و»بعد فحص الجثث في المكان وأخذ البصمات؛ جرى التوصُّل إلى أن أحد المهاجمين ذكرٌ عمره بين 25 و30 عاماً» بحسب صحيفة «يني شفق» الموالية للسلطات. وتذكرت الأوساط السياسية أجواء تفجيرين وقعا في مدينتي ديار بكر وسروج في الجنوب التركي في مطلع يونيو وأواخر يوليو الماضيين. وألقى زعيم حزب الشعوب، صلاح الدين دمرداش، المسؤولية على الحكومة بتعابيرَ حادة. ورأى أن «الهجوم الأخير هو جزء من نفس الحملة التي فجَّرت مظاهرة للحزب في مدينة ديار بكر عشية الانتخابات في يونيو؛ والتفجير الانتحاري الذي أُلقِيَ باللوم فيه على تنظيم (داعش) في سروج في يوليو». وفي ظل توتُّر الأجواء؛ أبلغ مصدران أمنيان وكالة الأنباء «رويترز» أمس بأن «المؤشرات الأولية توحي بمسؤولية (داعش) عن انفجاري أنقرة»، وأشارا إلى «تركيز التحقيقات على دور التنظيم المتشدد». وشبَّه أحد المصدرين الهجومين الانتحاريين السبت بالهجوم على نشطاء أكراد في سروج قبل أشهر، وشدد بقوله «المؤشرات تتجه إلى التنظيم المتطرف». وكشف المصدر الثاني عن «تركيز التحقيقات بشكل تام على دور التنظيم». دوره؛ استبعد مصدر حكومي ثالث تأجيل الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في الأول من نوفمبر المقبل. وأوضح المصدر أن «تأجيل الانتخابات بسبب الهجوم ليس مطروحاً على الإطلاق»، إذ سيجري الاستحقاق التشريعي في موعده. لكنه أفصح عن إجراءات مكثفة لتأمين التجمعات الانتخابية «بسبب تزايد المخاطر وحتى يجري التصويت في أمان». وفي الانتخابات الأخيرة في ال 7 من يونيو الفائت؛ عجز حزب «العدالة والتنمية» المحافظ الحاكم منذ 13 عاماً عن تأمين الأغلبية النيابية ما حرمه من تشكيل حكومة بمفرده ليضطر إلى خوض مفاوضات لم تنجح مع الأحزاب التالية له. وإزاء ذلك؛ دعا أردوغان إلى استحقاقٍ نيابي مبكِّر وشكَّل حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال في خطوةٍ لاقت انتقادات من أحزاب المعارضة الرئيسة وهي «الشعب الجمهوري» و»الشعوب الديمقراطي» و»الحركة القومية». وأرجع مراقبون إخفاق «العدالة والتنمية» خصوصاً إلى ارتفاع أسهم السياسيين الأكراد. وتتنافس الأحزاب الأربعة على حيازة ثقة مزيدٍ من الناخبين. إلى ذلك؛ واصلت المقاتلات الحكومية يومي أمس الأول وأمس قصف أهدافٍ لحزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد وشمال العراق في استمرارٍ للحملة العسكرية رغم إصدار الحزب المحظور أوامر لمقاتليه بوقف الهجمات. واعتبر مسؤول أمني كبير في أنقرة أن «وقف إطلاق النار من جانب المتمردين لا يعني لنا شيئاً»، مبيِّناً أن «العمليات ستستمر دون انقطاع». وتحدثت مصادر أمنية أخرى عن مقتل ما بين 30 و35 من مسلحي «العمال الكردستاني» أمس جرّاء ضرباتٍ في شمال العراق. وكان الحزب أمر مقاتليه صباح أمس الأول بوقف أنشطتهم «إلا إذا تعرضوا لهجمات»، رابطاً بين قراره و»الاستجابة لدعواتٍ إلى تفادي التصرفات التي قد تحول دون إجراء انتخابات عادلة ونزيهة». وأعلن الجيش التركي، في بيانٍ له عن عملياته الأخيرة، تدمير مخابئ ومواقع مدفعية تابعة للمتمردين في منطقتي زاب ومتينة «شمال العراق» أمس، لافتاً في الوقت نفسه إلى «مقتل 14 منهم في غاراتٍ نفذتها المقاتلات السبت في منطقة ليزي التابعة لإقليم ديار بكر». ووصف نائب داود أوغلو، يالجين آق دوغان، وقف إطلاق النار من جانب المسلحين بأنه «تكتيك» قبل الانتخابات، ودعاهم مجدداً إلى إلقاء سلاحهم ومغادرة البلاد. وبعد هدنةٍ دامت نحو عامين و4 أشهر؛ تجدد القتال بين القوات الحكومية ومسلحي حزب العمال في أعقاب الهجوم الانتحاري في سروج. وأسفرت المواجهات بين الجانبين على مدى 3 أشهر عن مقتل نحو 150 جندياً وأكثر من ألفي متمرد، وفق مصادر متطابقة.