بعد تردد طال أشهرا عدة بدأت تركيا باستهداف تنظيم داعش ولكنها اغتنمت هذه الفرصة لتهاجم ايضا المتمردين الأكراد، ما من شأنه أن يهدد عملية السلام الهشة. ومنذ يوم الجمعة، تقصف تركيا مواقع تابعة لداعش في سوريا، بعدما تبنى التنظيم مسؤولية التفجير الانتحاري الذي أسفر عن مقتل 32 شخصا في مدينة سوروتش، وأيضا بعد تفاهم مع واشنطن وصفه مراقبون بأنه "صفقة". واعتقلت الشرطة، خلال اليومين الماضيين، العشرات ممن يُشتبه بأنهم ينتمون لتنظيم داعش والجماعات المسلحة الكردية، خلال مداهمات. كما شنت المقاتلات التركية غارات لليلة الثانية على التوالي، يوم الأحد، استهدفت معسكرات الأكراد في العراق في حملة قد تنهي عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال. وقالت تلفزة "سي إن إن" التركية، إن أكثر من 800 شخص يُشتبه بانتمائهم لداعش اعتقلوا في الأسبوع الماضي، في حملة محلية تزامنت مع الغارات الجوية في العراقوسوريا. لكن تركيا وسعت حملتها العسكرية عبر الحدود لتستهدف مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، فيما يشكل أكبر حملة جوية لها منذ العام 2011 بعد هجمات دموية نسبتها إلى المقاتلين الأكراد. وصنفت أنقرة الحملتين العسكريتين ضد داعش من جهة والأكراد من جهة أخرى في إطار واحد هو "الحرب على الإرهاب" رغم أن الطرفين المستهدفين يتواجهان أصلا في معارك شرسة. ويقول محللون: إن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يبحث عن زيادة عدد الناخبين بعد أدائه المخيب في الانتخابات التشريعية في 7 حزيران/يونيو، وأيضا منع الأكراد من إقامة معقل قوي في سوريا. وتصنف تركيا حزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا دمويا في جنوب شرق تركيا منذ العام 1984، على أنه مجموعة إرهابية، كما تعتبر حزب الاتحاد الديموقراطي، الحزب الكردي الأهم الذي يقاتل تنظيم داعش في سوريا، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. واعتبر مسؤول في الحكومة أن العمليات العسكرية التركية في سورياوالعراق لا تستهدف أكراد سوريا، بعدما أفادت معلومات عن تعرض قريتين تسيطر عليهما القوات الكردية في شمال سوريا لقصف بدبابات تركية. وقال لوكالة فرانس برس، طالبا عدم كشف اسمه: إن "العمليات العسكرية الجارية تهدف إلى القضاء على المخاطر التي تهدد الأمن القومي التركي وهي تواصل استهداف تنظيم داعش في سوريا وحزب العمال الكردستاني في العراق". وأكد أن "وحدات حماية الشعب (أكبر الأحزاب الكردية في سوريا) وسواها ليست ضمن أهداف عملياتنا العسكرية". وبحسب مارك بيانيري، الباحث في مركز كارنيغي أوروبا، فإن "الحكومة (التركية) وازنت بين حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش. ومع أنهما كيانان متباينان إلى حد كبير، إلا أن هذا الأمر يخدم مصالح الحكومة". واعتبر دايفيد رومانو أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة ميزوري، أنه قد يتبين أن الحملة العسكرية التركية تركز أساسا على حزب العمال الكردستاني وليس على داعش. وتابع رومانو، إن تركيا وبعدما سمحت للولايات المتحدة باستخدام قاعدة انجرليك الجوية لشن غاراتها ضد داعش، تأمل أن تبادلها بالمثل عبر الابتعاد عن حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا. ويبدو أن السيناريو الأسوأ في سوريا بالنسبة إلى تركيا هو أن يتحقق حلم حزب الاتحاد الديموقراطي بإنشاء منطقة حكم ذاتي في سوريا قرب الحدود مع تركيا. وتعتبر الحكومة التركية أنه من المنطقي جدا أن توازن بين تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني الذي أعلن الأسبوع الماضي، قتل شرطيين تركيين أثناء نومهما. وكتب إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، في صحيفة "الصباح": بالرغم من انهما يتحركان بدوافع مختلفة، إلا أن الاثنين يتشاركان أساليب وأهدافا متشابهة". وتأتي الغارات التركية بعد انتخابات السابع من حزيران/يونيو التي خسر فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الغالبية المطلقة للمرة الأولى منذ وصوله إلى السلطة في العام 2002 مما أدى إلى فشل الرئيس اردوغان في اجراء تعديل دستوري لتحويل النظام التركي الى جمهوري. وتجد تركيا اليوم نفسها امام حلين: تشكيل حكومة ائتلافية هشة او اعادة تنظيم الانتخابات حيث يأمل حزب العدالة والتنمية استعادة الغالبية المطلقة. وقد يساهم استهداف حزب العمال الكردستاني، الذي يكن له الكثير من الاتراك العداء، في حصول حزب العدالة والتنمية على المزيد من أصوات القوميين المتطرفين. وبحسب بيانيري، فإن من شأن هذه "الحرب على الإرهاب" أن تخفف من حدة الصعوبات السياسية الداخلية في تركيا بعد الانتخابات، وبالتالي فإن احتمال إعادة أجراء الانتخابات يبدو واردا جدا. يذكر أن الانتخابات الأخيرة انتهت أيضا باختراق لحزب الشعب الديموقراطي، المؤيد للأكراد، إذ حاز على 80 مقعدا في البرلمان ليطيح بذلك بآمال حزب العدالة والتنمية في الحصول على الغالبية المطلقة. وكتب المعلق جنكيز جندار في صحيفة "راديكال" الالكترونية، إن اردوغان أراد "تشويه" صورة حزب الشعب الديموقراطي عبر ربطه بحزب العمال الكردستاني. واعتبر أن "الحرب على الإرهاب مجرد حجة. الهدف هو الانتقام لما حصل في السابع من حزيران/يونيو"، من أي نتيجة الانتخابات. إلا أن إحلال السلام بين نقرة والاكراد، الذين يشكلون 20 في المائة من الشعب التركي، يمكن أن يشكل إذا تم، أكبر إنجاز لحزب العدالة والتنمية. وقد تمت فعليا الإشادة بأردوغان لوضعه تعديلات محدودة لصالح الإكراد ولإطلاقه في 2013 عملية سلام بعد محادثات سلام سرية بين انقرة وزعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبدالله اوجلان. ويلتزم الجانبان منذ ذلك التاريخ بوقف هش لإطلاق النار يبدو اليوم مهددا بعدما أعلن حزب العمال الكردستاني أن الهدنة فقدت اليوم أي معنى حقيقي لها. والسبت، قتل جنديان تركيان في تفجير سيارة مفخخة نسبه الجيش التركي الى حزب العمال الكردستاني. ومع ان وقف اطلاق النار يبدو وأنه انتهى، الا ان بعض المحللين يرون ان عملية السلام لم تفشل بعد. ويقول بيانيري: ان حزب العمال الكردستاني "كيان متعدد" يتألف من ثلاثة عناصر اساسية هي حزب الشعب الديموقراطي واوجلان والقيادة العسكرية في شمال العراق، الا ان لا يعملون بانسجام دائما. من جهته يعتبر رومانو ان حزب العمال الكردستاني عليه الا يقع في فخ الحكومة التركية التي تريد ان يصنف في خانة الارهاب، كما انه غارق في الوقت نفسه في الحرب ضد الجهاديين في سوريا. وتابع رومانو "أتوقع أن يحاول حزب العمال الكردستاني التراجع وإلا فسيستأنف تمرده ضد انقرة بشكل جدي". وأعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو أمس، أن متمردي حزب العمال الكردستاني "لم يوقفوا يوما اعمالهم الارهابية" مشددا على ان ذلك لا يعني نهاية عملية السلام. وقال تشاوش اوغلو اثناء زيارة الى لشبونة، حيث يلتقي نظيره روي ماشيتي "نحن لم نقل يوما ان عملية مفاوضات السلام انتهت لكن حزب العمال الكردستاني لم يحترمها يوما". وقال: إن المتمردين الأكراد "اغتنموا الوضع في المنطقة مع بدء تركيا التصدي لداعش وكثفوا هجماتهم وانشطتهم الارهابية في تركيا" مضيفا "لذلك علينا ايضا ان نضرب اهدافا لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق". كما حمل وزير الخارجية على حزب الشعب الديموقراطي (مؤيد للاكراد) الذي حقق نجاحا غير مسبوق في الانتخابات التشريعية في 7 حزيران/يونيو بفوزه ب 13% من الاصوات، فاتهمه بانه "تابع لحزب العمال الكردستاني". وقال ان حزب الشعب الديموقراطي "يمكن ان يكون وسيطا هاما، لكنه عوضا عن ذلك يدعو المواطنين الاكراد الى التسلح والتظاهر ومخالفة النظام العام".