هناك نمطان للعلاقات: علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالأشياء، الأولى ثابتة ومستقرة ولم تتغير في جوهرها منذ هابيل وقابيل وبنية القرابة الأولى، إذ ما زال الناس كما كانوا في أولهم يحبون ويكرهون ويتزوجون ويتقاتلون أي بكلمة يمارسون السلوك نفسه، الذي كان يمارسه الإنسان الأول حواء وآدم وأولادهما يتزاوجون وينجبون ويسعون في الأرض ويفسدون ويتخاصمون ويسفكون دماء بعضهم بعضاً في سبيل الحصول على الأرزاق والخيرات والمصالح والحاجات وعلى مدى تاريخهم الطويل المفعم بالتنازع والتقالب والصراع ظل التاريخ البشري محكوماً بالقانون الطبيعي مقاومة الفناء والحفاظ على البقاء، يدور حول محور القوة والحرب والربح والاحتكار وهكذا ظلت السياسة على مر الأزمان هي الزمن، الذي بمعنى أن الوجود السياسي للناس في المجتمع هو وجود شبه ثابت في بنية المجتمع الأساسية، مثله مثل بنية القرابة، وكل لحظة من لحظات التاريخ السياسي للمجتمعات تمثل الدرجة الصفر؛ وكل جيل يمسك بالخيط من أوله، ويردد في الوقت نفسه أنه يبتدع هيستيريات تحقيق الذات، والهلوسات الجماعية، والفصامات الطائفية، والهذيانات الدفاعية، والأخرى التفسيرية.. وكما أن المراهق يتعلم المضاجعة دون أن يعلِّمه إياها أحد، ولكن دون أن يمارسها أفضل مما مارسها جدوده، فإن كل حقبة اجتماعية تعاود اختراع السياسة، وكأنها لم تكن قط، هي هي سياسة كل زمن، الإشكالية بصورة جوهرية. ويرى دوبريه أن هذه القرابة المزدوجة بين السلطان السياسي والميثولوجيا والشبق الجنسي نابعة بالتحديد من أن زمن الخرافة، وزمن غريزة الحب شريكان في البنية ذاتها، بنية التكرار. وهكذا نفهم الصلة الدائمة بين السياسة والدين والمجتمع بوصفها صلة راسخة الجذور في الكينونة الأولى للكائن الاجتماعي الديني السياسي بالطبع والتطبع! وهكذا يمكن القول إن علاقة الإنسان بالإنسان ظلت راسخة النسيج ثابتة النسق وكل ما طرأ عليها طوال ملايين السنين لا يعدو بأن يكون أكثر من ديكور اسمه الحضارة والتحضر تم اكتسابه اكتساباً بقوة السلطة والتربية والقانون، وحينما تنهار السلطة والقانون في مكان من مجتمعات الإنسان يعود الناس إلى سجيتهم الحيوانية الطبيعية الأنانية الفطرية في حالة حرب الجميع ضد الجميع! بينما علاقة الإنسان بالأشياء شهدت وتشهد ثورات جذرية من التغير والتطور والتبدل والتنوع والارتقاء على مختلف الأنحاء والمستويات الأفقية العمودية، وبفضل تغيرها وتطورها تغيرت بيئة حياة الإنسان على هذه الأرض، غير أن تغير هذه البئية لم يغير من النمط الأصلي للعلاقات الإنسانية، فلا تزال هي نفسها كما كانت طول العصور والأزمان وإذا ما فقدت الإنسانية تلك المنجزات والمكتسبات، التي تحققت بفضل المعرفة والعلوم فمن المؤكد أن البشرية سوف ترجع إلى طبيعتها الأصلية!