ترددت كثيرا في تناول هذا الموضوع كونه أُهلك كتابة ومطالبة من الجميع، وواقع حال السواد الأعظم من تجارنا ومقاولينا هو التطنيش والقافلة تسير وفقا لما يريدون، الحديث هنا عن سيكولوجية أولئك القوم. لا يخالفني أحد من أن النفس تعشق المال، فلقد وردت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية على حب المال، وأنه زينة الحياة وعصبها. دافع حب المال وضُعت له الضوابط الشرعية ثم صيغت له قوانين رقابية وعقابية، مستندة على تلك النصوص الشرعية للحفاظ على كل من التاجر/ المقاول والمستهلك. من الملاحظ أن كلا من التاجر/ المقاول (ليس إجماعا) تجاوز تلك الحدود في وضح النهار، من خلال الغش والتدليس والغبن والجشع والإفساد والرشاوى ومخالفة المواصفات والتقييس والمعايير، بقدر من التنعيم والتنعم والرقص على الآلام والأوجاع التي يسببونها للآخرين. مثل هذا ليس سلوكاً اعتباطياً (Arbitrary behavior)، بل له ميكانزمات (مسببات)، فهم تلك الميكانزمات بشكل صحيح هو الأساس الذي يقوم عليه الإصلاح والعلاج الناجع والوقاية الفاعلة، بدلا من المحاولات البائسة والمتناثرة من حماية المستهلك كجهة رقابية-رسمية أو وطنية-خيرية، التي هي لم تحم نفسها من اخترقات أولئك القوم، ولم تحصل على أدنى رضا ممن تحميهم (المستهلكون). من يدفع ضريبة عبث وفساد هؤلاء التجار والمقاولين هو الوطن ومدخراته، بداية من خلال التلاعب بالبنى التحتية والمتقدمة، والإخلال بالتوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع لطبقة غنية-مترفة-خاملة (هم)، وطبقة كادحة-عاملة-مستهلكة (نحن)، وما يتبع ذلك من تداعيات نفسية واجتماعية خطيرة تضيف عبئا على كاهل الدولة، وكذلك الأفراد أنفسهم والإفرازات التي تعود عليهم من ذلك الفساد. المبكي حقا أن تجاوزات تجارنا ومقاولينا لم تعُد في بعدها النفسي-الاجتماعي-الاقتصادي، بل أصبحت من مسببات الموت والإعاقة. لم تنته الحكاية، للحديث بقية!!