كم كنت أظن أن المستحيل بحرٌ، «يطوي» ظاهر الحقيقة إلى «بطن المجهول» لعمقه، ذاك المظلم البعيد في قاعه المدفون. كم كنت أخشى حتى محاولة التفكير في الوصول إلى كشف أعماق الغائب خلف أستار أشعة الشمس المنعكسة على موج البحر الهادئ، ذاك الموج المتناغم، حيث كل موجة تلامس التي تسبقها، وتلتفت إلى التي بعدها كسرب حمام متلاحق محلِّق نحو البعيد. هناك في «عمق السماء» أيضاً «مجهولٌ عميقٌ» في زرقته، جميلٌ «جذَّاب»، يبعث في نفسك خوفاً كبيراً بحجم اتساع السماء، وتراسم الغيم الأبيض الزاهي الفريد. تعطيني بهجةً تلك الغيوم، التي تمر فوقنا مروراً هادئاً ساحراً، كأنها تنظر إلينا وتتراقص بخطوات خفيفة، تسترق الهروب حتى إنها ترحل دون أن نشعر أنها كانت هنا!، ذاك الحضور المبهج، والغياب المهذب، يعلماننا درساً قصيراً مختصراً فيه جملة من الآداب، وهو أن نكون «خفيفي الظل» عند الحضور، ومهذبين جداً عند الغياب. لسنا في حاجة إلى جعل حضورنا مرتبطاً بضجة، وتملق شديدين عند إلقاء التحية، وتصنُّع الابتسامة، كل ما علينا فعله هو أن نكون طبيعيين جداً كما نحن دون تصنُّع، ونتذكر أن نختم حضورنا بوداع لطيف، ينهي وجودنا بخاتمةٍ من مسك، فلا حاجة إلى أن تدَّعي سبباً مزيفاً للانسحاب، ولا أن تكذب كذبة بيضاء لإنهاء اللقاء، فقط اطلب السماح بالمغادرة، وتمنى لو أنك استطعت البقاء أكثر، وانصرف. نصيحة لا تعِد وعوداً كاذبة بأنك ستجدِّد الزيارة، وستكون أطول، وفي أقرب وقت ممكن، فالناس بالفطرة تظنك صادقاً، وتأخذ حديثك على محمل الجد، فلا تخدع أحداً بكذبة من أكاذيبك التي اعتدت على قولها عند إنهائك أي لقاء حتى لا ينكشف زيف كلامك بعد حين، فيأخذ منك الناس موقفاً سلبياً، تحتاج إلى وقت طويل لكي تمحوه من ذهن الآخرين. بالمختصر كن غيماً من بشر.