كنت أتغنى بالأشعار في وضح النهار تحت سحابة من غيوم السماء , وكانت أمواج البحر تُلحفني تارة وتُعريني أخرى, وعلى رمال شاطئ البحر وبين أشجار العنب والرمان، وتحت أصوات البلابل والعصافير أتقلب يمنة ويسرة .. لعلني أحرق وأزيح ما كان من تراكمات علقت بي, بعد أن كنت أنا وأنتِ في تلك الفوهة العميقة من تلك الحفرة والمسماة البئر .. تلك البئر الحقيرة والفقيرة حتى من هيئة ماء. كنت أنا وأنتَ في حالة جفاف وكأن بشرة أجسامنا جلد ضبٍ قديم، سحقه الزمن في صحراء حرارتها لا تفرقها وحرارة جمرات أعواد قديمة عاتية من الغضا. كم كنت أتذكرك وأنت بجانبي, وأنت تمد يدكَ كي تناولني ورقة المشموم . كم كنت أتذكر وأنت تلاعبني على ذاك البساط من العشب الأخضر , كم كنت تلاحقني تحت رشات المطر .. أعوام وسنون مضت, وأنا لا أنسى وعجبي وكل عجبي كيف أنتَ نسيت..! وها نحن نستريح ونجد أنفسنا في حالة تعب .. شرشف أحمر يغطيني .. تنزعه الرياح, وتلقيه إلى مسافات بعيدة إلى أن يصبح بارقة فوق أغصان شجر الزيتون. سهام أشعة الشمس تهمس بهدوء .. تستأذنني .. تدغدغني .. لكن ليس بها أمان، الهرة وخرير الماء يتسربان إليّ, وأعتقد أنهما أجمل صديقان ..! سرعان ما تتركني الهرة دون وداع .. تبصم عقد صداقة مع هرة, هي أجمل مني عندها..! فراشات ساحرة الألوان تحيط بي كأنني زهرة تفاح .. صراخ قوي تسترقه أذناي من بعيد : صراخ فتاة .. نبرات صوتها ترشدني أنها دون العشرين من عمرها .. رجلاي تتسابقان إليها .. عبر خارطة الصوت المغّيم على حواسي .. أتخطى الأشجار والحشائش .. أتسلق الحواجز والمرتفعات .. أرى فتاة ملطخة بالدماء .. ممزقة الأثواب .. مخدوشة الوجه. جمال يشع منها رغم ما بها من جروح وكدمات, جمال كشعاع الشمس وقت شروقها .. لا تُعرف بنفسها .. لا تروي قصتها .. فقط يفهم من صراخها : أنا شريفة .. أنا عفيفة .. أنا الستر ولكن ... تصمت .. تصدر عبارات متقطعة .. غير مفهومة - أنقذوني - هذا ما يُفهم من عباراتها .. باءت محاولات التعرف على حكايتها بالفشل ..!! قطيعُ غنمٍ من بعيد .. كلابٌ تحومُ حوله ربما للحراسة .. صوتُ منبه الساعة أيقظني .. يشعرني بأن أذان الفجر قد حان..!!