شغف الإنسان بالحياة يجعله دائم التفكير والتخطيط لمستقبله، ومع هذا الكم من التفكير ينتابه كثير من الهم الذي هو مرادف (للقلق)، تلكم هي الحالة النفسية المدمرة للفرد التي تهلك جسده، إن لم يستطع السيطرة عليها، وتقوده إلى حافة الجنون التي تخلق لصاحبها عالما سرياليا. إن القلق يتلف الخلايا العصبية التي بدورها تؤثر على المعدة، فتتحول عصاراتها الهاضمة إلى عصارات سامة تؤثر على الجسد. يقول الطبيب الأمريكي جوزيف مونتاجي، مؤلف كتاب (اضطرابات المعدة العصبية)، إن قرحة المعدة لاتأتي مما تأكله، ولكنها تأتي مما يأكلك. ويقصد بهذا القلق، حيث تبين من خلال دراسة أجريت على أكثر من 15000 شخص، في أقسام البحث التابعة ل«مايو كلينيك» في مدينة روتشستر بولاية مينيسوتا في أمريكا، أن كل 4 من أصل 5 يعانون القرحة، لا بسبب عضوي بل جراء الخوف والقلق. إذا، كيف نحارب القلق ونطرده طردا أبديا؟تعلمون قصة نبي الله موسى وهو رضيع، حين تدبر الله تعالى أمره، وذلك بعد أن أصدر فرعون أمرا بقتل كل وليد ذكر حتى يبقى له عرشه (إنه كان من المفسدين)، فخافت أم موسى على موسى من القتل وألقته في اليم بوحي من الخالق البارئ، ألقته حتى أحست وكأنها ألقت قلبها، ثم اختفت بعد ذلك أخباره. يقول الله عز وجل (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين * وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لايشعرون*وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون* فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولاتحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لايعلمون) سورة القصص. ولمن أحسن التمعن في تلكم الاّيات وقرأها بقلب مؤمن، عرف بأنه لن يستطيع أن يحارب القلق إلا بالاتكال على رحمة ربه، والوثوق في تدبيره، وبترك الناس كلها واللجوء إليه والتنعم بقربه وبشحذ الجود منه لا من الآخرين. والقرب من الله لايحصل إلا بالمجاهدة والصبر على هذه المجاهدة في سبيل الاطمئنان والشفاء، وبالتأكيد كسب رضاه، فبمرضاته تتم الصالحات وتحل علينا البركات فننعم بالراحات. الداعية السعودي المعروف الشيخ عائض القرني مؤلف كتاب (لاتحزن) وهو خير من زرع الأمل في نفوس فارق اليقين قلبها يقول: نحن لانملك رسم المستقبل بالصورة التي نشاء، فلماذا إذا نتحرق قلقا ونقتل أنفسنا في أمور لانضمن كيف ستتم؟. وزيادة على قوله أقول : دع مستقبلا لا علم لك به، واعلم أن القلق مرض مكروه وخبيث، ورغم ذلك هو لايتطفل بل أنت الذي اخترت الحفاظ عليه، فهو مرض الإدمان لمن يستسلم له. وفي الختام، يالها من نفس مسكينة ويتيمة، تلك التي تغذت على مشاعر القلق، وغفلت عن تدبير ربنا الكريم وأمره الحكيم. كان ذلكم قولي إلى قوم يعقلون.