تحدث أطباء الباطنة والنفس كثيرا حول الامراض التي تنتج بسبب الاعراض النفسية ، فتكون سببا لامراض كثيرة ليس لها اي تفسير علمي او وجود مادي يمكن رصده من خلال الفحص او التحليل ، وهذا متفق عليه ، ولكني ارى ان العلاقة العكسية واقصد هنا ( وجود اعراض نفسية كالحزن والاكتئاب يكون سببها امراضاً جسدية !! ) ، أقول ان ربط امراض النفس بسبب امراض الجسد لم اجد له - فيما اعلم - اي اهتمام او مقالات او ابحاث او دراسات محكمة من الاطباء أوعلماء النفس ، ولا اعلم سبب ذلك الا ان يكون ضعف اطلاع مني !! الا انني أستثني هنا الاهتمام المعروف بامراض القولون العصبي ومدى تسببه بامراض نفسية ومزاجية ، فهذا ايضا لا اختلاف عليه .. ***** بالمثال دائما ما يتضح المقال ، ولذلك سأتحدث عن مشكلة كانت تتكرر علي ، عندما كنتُ استقبل في عيادتي مريضات يشتكين من هبات الحزن المفاجئ والعصبية لاسباب غير معروفة ، فبينما إحداهن في مجلس من المجالس ، اذا باحساس غريب يخيم على نفسها ، فتحس برغبة في البكاء الخفي وربما نزلت دموعها وأحست بالشفقة على نفسها من هذا الاحساس الذي لا موجب له ، فتشعر بالحزن والاكتئاب والمبالغة في ردود افعالها تجاه اي خطأ يقع امامها ، او كلمة تقال لها فتحملها على المحمل السيئ ، ولا تكاد تمر عشر دقائق او نصف ساعة حتى تعود الحال كما كانت وتذهب موجة الحزن المباغتة بلا سبب لقدومها ولا لذهابها !!.. ويسألنني ماذا يحدث لنا ، وماذا جد علينا ، وكيف اصبحن بهذا الضعف من بعد القوة ، رغم ان حياتهن تمضي بهدوء ولا معكر لصفوهن ولا وجود لمتغير او جديد لكي يقلب مزاجهن او يزعجهن ؟! ***** والحقيقة انني لاحظت بالصدفة المحضة بعد توفيق الله ، انهن من حيث لا يعلمن يشتكين من قرحة المعدة ، وكنت اطلب منهن ان يجرين التحاليل اللازمة لذلك ، وبالفعل ثبت انهن مصابات بجرثومة المعدة ، وبعد ان اخذن الادوية الخاصة بتخفيف الاحماض المعدية ، ذهب عنهن ما كنّ يعانينه من تلك التقلبات المزاجية المحزنة بشكل واضح ، ولعل السبب يكمن في العمل العكسي (لتفريعة العصب الحائر) المتصلة بالمعدة ، فمن المعلوم ان تشنج هذا العصب بسبب الحزن والقهر والغضب والتوتر يؤثر بشكل قوي في الحركات الانقباضية والارتخائية للجدار في المعدة والاثني عشر كما انه مسؤؤل عن تنظيم إفرازات الحويصلة المرارية وعن العصارات المعدية الهاضمة فتتحول بسبب الحزن والتوتر المبالغ فيه من احماض مفيدة الى احماض شديدة التركيز ذات سمية حارقة فتفسد جدار المعدة وتصيبه بالقرح .. ****** مايهمني هنا هو دور هذا العصب الحائر عندما يصاب الانسان بالقرحة المعدية التي ليس لها مسبب نفسي ، الاجابة لدى أهل الاختصاص لكن المتوقع هنا ان العصب الحائر يعمل بشكل عكسي فيحول الالم الجسدي والذي هو قرحة المعدة والتهابها الى اعراض نفسية عكسية كالتي كانت تعاني منها تلك السيدات ، ولكن بعد علاج القرحة المعدية (الجسدية )أصبحن يتمتعن بصحة نفسية جيدة ، بعد ان كان العرض الجسدي الباطني سبباً في حزنهن وكآبتهن وليس العكس.. وللحديث بقية ، وعلى دروب الخير نلتقي ..