خلال الألفَيْ عام الأخيرة؛ استقبل الشطر الشرقيّ من الجزيرة العربية موجات بشرية مهاجرة كثيرة. لكنّ اثنتين منها، فقط، يُمكن وصفهما بالهجرات الهائلة. أولاهما حدثت قبل الإسلام، حين نزحت قبائل عبدالقيس من جنوب الجزيرة إلى ما كان يُعرف ب «بلاد البحرين» الممتدّة من جنوبالبصرة حتى شِقّ عُمان. جاءت عبدالقيس من جبال تهامة وسهولها إلى سواحل الخليج وواحاته وصحاراه، وفي غمضة عين تاريخية؛ تبدّلت أنماط حياة القبيلة إلى أنماط البلاد الجديدة، لتتأثّر بها وتؤثّر فيها. وأعيدت صياغة الشكل السكّاني، لتُسهم عبدالقيس في تاريخ المنطقة إسهاماً مهمّاً، انعكس على الحياة جميعها، بما في ذلك الآداب واللسانيات. أما الموجة الثانية؛ فقد حدثت بعد تدفّق النفط من الأراضي السعودية الشرقية، في ثلاثينيات القرن الماضي، ليتحوّل هذا الشطر الثمين من بلادنا إلى منطقة هجرة سكّانية من كلّ أرجاء البلاد السعودية المترامية. وفي غضون نصف قرنٍ تأسّست مدن وسط الصحراء، واتسعت قرى صغيرة لتستحيل مُدناً وحواضر مُتمدّنة. وكما حدث لعبدالقيس وللمنطقة قبل الإسلام؛ حدث مثله للمنطقة ولأبناء القبائل السعودية الآتين من مناطق بعيدة. اندمجوا في الحياة العامة، وتأثّروا وأثّروا، وشاركوا في التنمية والعمران والاقتصاد والثقافة، وسائر مشتركات الحياة التي صنعها رخاء النفط. ومدينة الدمام؛ هي أقرب النماذج تمثيلاً لذلك؛ ففي عام 1922 لم تكن أكثر من قريةٍ ساحليةٍ تقطنها مجموعة سكانية محدودة. إلا أنها اليوم باتت حضناً حاضناً لكلّ أبناء الوطن الذين جاءوا إليها ليعمروها ويثمّروا فيها.