يعد الوسيط العقاري أو السمسار مكوناً رئيساً وعنصراً أساسياً للربط بين كل مكونات السوق العقاري؛ فالسمسرة أو الدلالة مهنة تاريخية اشتهرت قديماً خصوصاً في المنطقة العربية التى امتهن كثير من أهلها مهنة البيع والتجارة. وقد أباح الإسلام مهنة الدلالة أو السمسرة، وقنَّنها لتصبح قيد عديد من الضوابط التي تضمن الالتزام والشفافية في شتى العمليات التجارية. كما اتجهت الدول والحكومات إلى وضع الأسس والضوابط التي تقنن مهنة الوساطة بكافة مجالاتها من بينها الوساطة العقارية. التزام الوسيط العقاري بالمعايير الاحترافية والأخلاقية مثل المصداقية والشفافية يضمن نجاح العملية التجارية، ويكسبه ثقة العملاء من جهة، كما يساهم في تطوير السوق العقاري ككل من جهة أخرى؛ حيث يعد الوسيط مرآة تعكس مستوى السوق للمستثمرين. إلا أن توسع الأسواق العقارية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وارتفاع نسب النمو، واتجاه عديد من أبناء المهنة للكسب السريع والربح في المقام الأول بدلاً من خدمة العملاء، أدى إلى ظهور بعض المشكلات المهنية، من أبرزها ارتفاع حالات الغش التجاري والزيادة غير المبررة في قيمة العمولات. نحاول هنا إلقاء الضوء على مظاهر ارتفاع قيمة عمولات المكاتب العقارية في البحرين وبعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وطريقة تعامل حكومات الدول مع هذه الظاهرة. المملكة العربية السعودية مع نمو التعداد السكاني وتطور القطاع العقاري في المملكة ارتفع الطلب على الوحدات السياحية والوحدات السكنية المتوسطة التي تصل مساحتها إلى 150 متراً مربعاً، الأمر الذي شجع عديداً من الشباب السعودي إلى المبادرة ودخول عالم الوساطة العقارية وساهم في رواج المهنة. وتختلف قيمة العمولة أو السمسرة في المملكة العربية السعودية عن الدول الخليجية الأخرى وهو أمر طبيعي؛ حيث إن لكل دولة وضعها الخاص الذي يُشكَّل من قِبل الأعراف والتقاليد المتوارثة، القوانين، ووضع السوق. تبلغ قيمة السعي أو العمولة في المملكة العربية السعودية 2.5% من قيمة الصفقة لعقود الشراء وقيمة شهر واحد أو 10% من قيمة إيجار سنة واحدة لعقود التأجير، وقد تم تحديد النسبة بموجب المادة 9 من اللائحة التنفيذية للمكاتب العقارية. تحديد نسبة السعي في المملكة العربية السعودية جاء في إطار جهود الحكومة السعودية لكبح جماح الأسعار العقارية في المملكة نظراً لتأثير قيمة السعي المباشر على سعر العقار ككل. إلا أنه بالرغم من إصدار القانون مازالت وزارة الصناعة والتجارة السعودية تتلقى عديداً من البلاغات بخصوص تلاعب المكاتب العقارية في قيمة السعي؛ الأمر الذى دفع الوزارة للتأكيد في عديد من البيانات على تطبيق العقوبات على المكاتب العقارية المخالفة للوائح. وتتضمن اللوائح عدة عقوبات تشمل: غرامة 25 ألف ريال، إغلاق المكتب لمدة سنة، إضافة إلى إلغاء ترخيص المكتب بشكل نهائي إذا ثبت تكرار المخالفة. البحرين يلعب الوسطاء العقاريون في مملكة البحرين دوراً فاعلاً في تعزيز مكانة السوق العقاري في البحرين، فبعد انتعاش السوق وتجاوز البحرين الأزمة الاقتصادية والسياسية التي ألقت بظلالها على السوق العقاري، انطلقت مكاتب الوساطة العقارية لعرض الفرص الاستثمارية المميزة والجاهزة للاستغلال في القطاع العقاري البحريني. تتراوح عمولات الوسطاء العقاريين في البحرين بين 1% و2% من قيمة صفقة البيع وقيمة أول شهر من إيجار سنة في عقود الإيجار، وهي نسبة ثابتة تلتزم بها جميع المكاتب العقارية في البحرين التي يقدر عددها بنحو 2000 مكتب. بالرغم من ثبات نمو السوق العقاري البحريني واستقرار الأداء، إلا أن عديداً من الوسطاء العقاريين يطالبون بسن قانون جديد ينظم مهنة الوساطة العقارية بشكل أكثر تفصيلاً من القانون القديم الصادر عام 1976. ويهدف القانون الجديد إلى الحد من بعض المخالفات التي قد تشوب أداء مهنة الوسيط العقاري مثل المكاتب العقارية غير المرخصة والمغالاة في تحديد قيمة العمولة؛ حيث تعلو الأصوات المطالبة بتحديد القيمة في القانون بنسبة 2% من القيمة الإجمالية للصفقة. الإمارات بلغت قيمة عمولات الوسطاء العقاريين في إمارة دبي خلال العام الماضي 1.8 مليار درهم لتتساوى مع قيمة عمولات عام 2013 وترتفع عن قيمة عمولات عام 2012 التي وصلت حينها إلى مليار درهم. كما تقترب قيمة العمولات في إمارة أبوظبي من الرقم ذاته لتقف كدليل قوي على انتعاش السوق العقاري في الإمارات وارتفاع حجم التداولات العقارية. قيمة العمولات العقارية متعارف عليها في السوق الإماراتي وتصل إلى 2% لصفقات البيع و5% لعقود التأجير، إلا أن النسب الحالية تخطت هذه الأرقام بكثير لتصل في بعض الأحيان إلى 10% من القيمة الإجمالية لصفقة البيع ولعقود التأجير أيضاً بحجة القيام بخدمات إدارية وتسويقية إضافية؛ الأمر الذي انعكس على أسعار العقارات في الإمارات وأدى إلى ارتفاعها في بعض المناطق. بوادر انفلات قيمة العمولات العقارية كانت من الأسباب الأساسية التي دفعت حكومة أبوظبي لإصدار قانون التنظيم العقاري الذي ينص على تنظيم مهنة الوسيط العقاري من بين 6 مهن عقارية أخرى. إمارة الشارقة أيضاً بصدد إصدار قانون جديد هذا العام ينظم مهنة الوساطة العقارية. ويهدف القانون الجديد إلى ترسيخ قواعد الثقة والشفافية بين "المستثمر، المالك، والوسيط العقاري" من أجل الارتقاء بالسوق العقاري ككل. يصل عدد المكاتب العقارية في إمارة الشارقة إلى نحو 500 مكتب بينما تقتصر مهنة الوساطة العقارية في الشارقة على أبناء الإمارة فقط. أرقام عمولات الوسطاء العقاريين في تنوع مستمر تختلف باختلاف الزمان والمكان، إلا أن الثابت على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي ككل هو انتشار المهنة وجذبها عديداً من الأوساط الشبابية مع تطور القطاع العقاري مما دفع الحكومات إلى إصدار الضوابط والقوانين اللازمة لتقنين عمل المكاتب العقارية في البحرين ودول الخليج الأخرى لما لها من تأثير مباشر على معدل أسعار العقارات وحركة البيع والشراء.