قبل سنوات عديدة ظهرت شبكات التواصل الاجتماعي في العالم مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«إنستجرام» و«واتساب»، وكان هدفها الأول تعزيز التواصل الاجتماعي بين الناس والتقريب فيما بينهم. لكنها أصبحت فيما بعد من أهم وسائل التواصل اليومي المباشر مع الناس على اختلاف فئاتهم وأطيافهم، فهي قاعة التدريس للمعلمين لتقديم علومهم ومعارفهم، والسوق التجاري لرجال الأعمال والمؤسسات لعرض مشاريعهم ومنتجاتهم، والمنبر لرجال الدين والفكر والثقافة لنشر فقههم وعلومهم وآرائهم، والساحة المفتوحة للشباب والشابات للتعبير عن أفكارهم واهتماماتهم ورغباتهم ومشكلاتهم، والمصدر الأساسي والحقيقي للتعرف على ثقافة وأخلاق أفراد المجتمع بكل اتجاهاته وطبقاته، وإحدى الوسائل الموضوعية لتقييم المجتمعات دينياً وأخلاقياً وفكرياً واجتماعياً وحضارياً. هل استخدم الشباب والشابات مواقع التواصل الاجتماعي في تنمية أنفسهم علمياً وأخلاقياً وتربوياً كما ينبغي؟ وهل يمتلك الجيل الناشئ القدرة على تحليل كل ما يجري في وسائل التواصل الاجتماعي لكي يأخذ الجيد ويترك السيئ؟ إننا عندما نأخذ نظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي بجميع أنواعها نرى الكم الهائل من الشتائم والسباب والتجريح، والمشاحنات الاجتماعية والرياضية والفكرية، وتصفية الحسابات الشخصية والطائفية والمذهبية، مما أدى إلى نشر ثقافة الكراهية والعنف اللفظي في عالم الإنترنت، حيث نلاحظ عدم استخدام الشباب والشابات الوسائل الاجتماعية في تنمية أنفسهم علمياً وأخلاقياً وتربوياً كما ينبغي. لذا على الجهات التربوية والتعليمية إيجاد مواد دراسية ضمن المنهج الدراسي ودورات تثقيفية ضمن الأنشطة اللا صفية تقوم بتدريس الشباب والشابات على كيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعية بشكل صحيح وفق معايير وقيم أخلاقية. ويجب تدريس الطلاب والطالبات حقيقة واقعية وهي أنه لا يوجد بلد واحد في العالم على سطح الكرة الأرضية إلا ويوجد فيه تعدد أديان أو تعدد مذاهب أو تعدد طوائف أو تعدد أعراق، وإن الدول تحاول أن تجعل هذا التعدد أمرا إيجابيا في تنمية الأوطان بصورة حضارية. ومع الأسف إن الجيل الناشئ عاجز عن تحليل كل ما يجري في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يعرف كيفية تحليل محتواها، ولا يفرق بين الأفكار الإسلامية الأصيلة والصحيحة التي تحث على بناء الأوطان والمحافظة على استقرارها الأمني والاجتماعي، وتطبيق القوانين العامة واحترامها، وتشجع على احترام كرامة الإنسان وحقوقه مهما كان لونه أو قبيلته أو عرقه أو دينه أو مذهبه، وبين الأفكار الطائفية والتكفيرية والإرهابية التي تشجع على تدمير الأوطان أمنياً واجتماعياً، والتمرد على القوانين العامة، والنيل من الإنسان وكرامته، والإساءة إليه، والتشهير به، واستباحة دمه وقتله بأبشع الصور الوحشية التي لم يعرف التاريخ الإنساني لها مثيلا. لذلك رأينا التنظيمات الإرهابية مثل داعش والنصرة والقاعدة تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي في نشر أفكارها التكفيرية، وتجنيد بعض صغار السن لتيارها المنحرف، وتدرب العناصر المتطرفة على تنفيذ عملياتها الإجرامية، حيث تؤكد الدراسات أن من انضموا إلى الجماعات المتطرفة والإرهابية تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن هنا نناشد المفكرين والمثقفين المحترمين والإعلاميين المتميزين ورجال الدين المعتدلين والأطباء النفسين المخلصين التوجه والوجود بقوة في مواقع التواصل الاجتماعي، وفتح قلوبهم وعقولهم للشباب والشابات والإجابة على أسئلتهم وحل مشكلاتهم الفكرية والدينية والنفسية والحياتية، وتعليم أبنائنا وبناتنا المهارات العقلية اللازمة لتحليل المحتوى الموجود في الوسائل الاجتماعية، لكي يفرقوا بين الصواب والخطأ، وبين الخير والشر، وبين الحق والباطل، من أجل حمايتهم من الوقوع في التيارات الفكرية الفاسدة.