كنت أعتقد أن الأمير سعود الفيصل غير قابل للغياب، واعتمدت في هذا الاعتقاد على النشاط والحيوية التي كانت تميزه، والتفاؤل الذي عايشناه معه طيلة هذه السنين، وكان إحدى أبرز صفاته، إضافة إلى العدد الكبير من اللقاءات والمؤتمرات التي كنا نرى وجوده أساساً ومشاركاً فيها، حيث كان مخلصاً للمخزون السياسي الهائل الذي امتلأ به عبر السنين الطويلة الصعبة. وزارة الخارجية التي كان يترأسها ومن بعد مشرفاً عاماً عليها، كان دائماً يدفعها إلى الأمام، إلى المستقبل، ومن الصعب لأحد غيره أن ينوب عنه في القيام بمهامها المستعصية، فبعد التفرغ للإشراف والمراقبة على الوزارة، بعد أيام وليالٍ قضاها سهراً في متابعة الأحداث والمستجدات التي تهم وطنه وأمته، فكانت استراحة محارب، ومن ثم الامتزاج بها من جديد، وكأنه لم يتعب ولم ييأس من جدوى الانتصار، وفضّل أن يستمر في مصارعة الحياة السياسية بالطريقة التي عاشها، وأن يكون جزءاً محركاً في الأحداث لا مراقباً لها فحسب أو مؤرخاً للوقائع التي تحصل. بعدئذ ترك كل شيء ومضى، وكأنه من خلال هذا الرحيل يريد أن يقول لنا إنه لا يمكن لإنسان أن يكون بديلاً عن إنسان آخر، وبالتالي كي تستقيم الحياة لابد للإنسان أن يكون ذاته، وأن يساهم في هذه الحياة ويبذل أقصى ما يستطيع كي يكون موهوباً في خدمة وطنه وأمته. الآن وبعد أن غاب سعود الفيصل فعلاً، نشعر بأهميته أكثر من قبل، ونشعر بأهمية الدور الذي انتدب نفسه له، فقد كان أحد الجسور القوية بين الوطن وخارجه، وكان أحد أبرز السياسيين والدبلوماسيين العرب والعالميين، كان وثيق الصلة والمعرفة بجناحي الوطن، يعرف المشكلات والهموم والبشر، ومن خلال أسلوبه وعلاقاته كان يجسد ما يجب أن تكون عليه العلاقة الدبلوماسية، ففي رحاب وعيه وأخلاقه ومعرفته كان يجمع بين أفكار المشرق والمغرب. برحيل سعود الفيصل فقدنا كثيراً، والآن تتبدى هذه الخسارة أكثر من قبل، لأننا تعودنا ألا نقدر الناس حق قدرهم إلا بعد أن يرحلوا، فلعل الأمير سعود أكثر الناس تجسيداً لهذه العادة، فهذا الرجل أعطى كثيراً في حياته وكان الإيثار إحدى الصفات المميزة له، هذا الذي لم يقتسم الراحة والهزل مع الآخرين، وكان حاضراً في كل المحافل، لا يريد اليوم أكثر من الاعتراف والعرفان. وإذا كنا قادرين على أن نكفر عن جزء من خطايانا، وأن نجسد سلوكاً جديداً في حياتنا فيجب أن نفعل ذلك في الوقت المناسب وبالطريقة اللائقة. وإذا فاتنا أن نفعل ذلك تجاه أنبل أبناء هذه الأمة، سعود بن الفيصل، في حياته، وفي محاولة لتدارك هذه الخطيئة التي غالباً ما تتكرر، فلابد أن نفعل ذلك سريعاً، أن ننشئ مَعلماً باسم سعود الفيصل، وأن تجمع سيرته، ومسار حياته، ليكون هذا التراث درساً في الفكر السياسي والدبلوماسي والوطني للأجيال، وكي تستقر روح ابن الفيصل بعد أن تعبت في السفر والترحال الطويل. ومثلما كان سعود الفيصل إنساناً كبيراً في حياته، فسوف يشمخ ويكبر أكثر حين نكتشفه من جديد. فوداعاً يا سعود، وإلى جنات الخلد إن شاء الله.