قضت التقنية الحديثة خلال السنوات الأخيرة على عديد من العادات والتقاليد التي كانت تمارس في بعض مناطق المملكة خلال شهر رمضان، بينها تبادل الأطباق الرمضانية، والاستحمام في عيون المياه، والاحتفال بالقرقيعان، ويعد مدفع الإفطار أحد أكبر الغائبين عن رمضان في السنوات الأخيرة، فبعد أن كان العامل الرئيس الذي يعتمد عليه لتنبيه الصائمين لموعد الإفطار، أو اقتراب موعد الإمساك، ساهمت التقنية الحديثة في تغييبه عن المشهد الرمضاني. يقول المواطن أحمد العبدالواحد «في السنوات الأخيرة طرأ تغيير كبير على العادات والتقاليد وافتقدنا عديداً منها، حيث كانت تشعرنا بروحانية الشهر الكريم وتزيد من الترابط بين أبناء الحي الواحد، منها مدفع الإفطار، أبوطبيلة «المسحراتي»، تبادل الأطباق الرمضانية بين سكان الحي». ويستعيد العبدالواحد بعضاً من ذكريات الماضي فيقول «عندما كنت طفلاً كنت أجلس مع إخوتي وأبناء الجيران في أحد أركان الحارة، ننتظر مؤذن مسجد القبة في قصر إبراهيم العم سليمان الدخيل -رحمه الله- لحظة خروجه من المنزل وتوجهه صوب المسجد، ثم نجتمع أمام منارة المسجد لنشاهده وهو يعتلي المنارة ليراقب مغيب الشمس، وفي لحظة المغيب يقوم بإعطاء إشارة إلى مجموعة من أفراد الشرطة، الذين يقفون على تلة مرتفعة في الجهة الشرقية من حي الرفعة بالقرب من سوق الخميس القديم، خلف مجموعة من المدافع يطلق على أكبرهم اسم «سرهيد»، وذلك من خلال التلويح بعلم أحمر ليبدأ هؤلاء الجند في إطلاق المدافع بعد أن تم تجهيزه وحشوه بالبارود، إيذاناً بحلول موعد الإفطار، بعد ذلك يبدأ بن دخيل في رفع أذان المغرب بصوته الشجي يتبعه باقي المؤذنين في مساجد الحي والأحياء المجاورة، وفي تلك اللحظة أتوجه مع إخواني وأصدقائي مسرعين إلى منازلنا لتناول الإفطار، حيث أجد والدي وشقيقاتي يتحلقون حول مائدة الإفطار في انتظارنا». إطلاق المدافع الذي كان يمارس في السابق لا يقتصر على الإعلام بموعد الإفطار، بل إن الجند كانوا يطلقون المدفع عدة مرات في اليوم، وذلك للتنبيه على اقتراب موعد السحور، وتنبيه سكان الحي لموعد الإمساك، كما أن أصوات المدافع كانت تُسمع لعدة مرات، لتنبيه المواطنين لثبوت دخول الشهر الكريم وحلول عيد الفطر. التقنية الحديثة والتطور الذي شهده العالم خلال السنوات الأخيرة تسبب في اختفاء تلك المظاهر، وإحالة المدفع «سرهيد» إلى التقاعد بعد فترة عمل استمرت لعدة سنوات، كان خلالها يقوم بدوره على أكمل وجه في التنبيه لموعد الإفطار والإمساك دون تقاعس أو تقصير. مدفع الإفطار ليس العادة الرمضانية الوحيدة التي أثرت فيها التقنية الحديثة وتسببت في اختفائها، بل إن هناك عديداً من العادات والتقاليد التي اختفت، خصوصاً في مدينتي الهفوف والمبرز، وإن كانت تمارس في بعض القرى من خلال اجتهادات فردية للحفاظ عليها، ومنها أبو طبيلة «المسحراتي»، الذي كان يجوب الشوارع والأحياء متنقلاً من حي إلى آخر طوال ليالي الشهر الكريم، يقرع طبلته ليوقظ النائمين لتناول طعام السحور، الاحتفال بالقرقيعان الذي يبدأ صباح يوم الرابع عشر من رمضان، حيث يقوم أطفال الحي بالتنقل من منزل إلى آخر للحصول على المكسرات والحلويات في مظهر جميل يؤكد الترابط بين أبناء الحي، إلا أن تلك العادة اندثرت، حيث أصبحت حفلات القرقيعان تتم بشكل مختصر داخل المنازل ودون مشاركة من أطفال الحي، كما أن عادة تبادل الوجبات قبيل الإفطار لم يعد لها أثر كما كانت في الزمن الماضي، الاستحمام في عيون المياه قبل موعد الإفطار، فالتقنية الحديثة والتكنولوجيا بالرغم من إيجابياتها المتعددة، إلا أنها قضت على عديد من عاداتنا الجميلة التي تتسم بالبساطة.