يتشارك معظم السعوديين في عوامل عديدة، وسلوكيات متعددة، ترميهم في دائرة التخلف، ومدارات الرجعية، ورغم تغيُّر الحال إلا أن عديداً منهم لايزالون يتمسكون بها، وسأورد في مقالي اليوم بعضاً من أهم هذه السلوكيات. – يبرع الرجال السعوديون في «المرابطة» في الاستراحات، ويعشقون نسمات قدور المضغوط، ورائحة كبسات الأرز، ودخان شاي الجمر، ووصل الأمر بهم إلى إدمان المكوث في هذه الاستراحات، ومصادرة حقوق الأطفال، والأسر في أمر بغيض، خصوصاً إذا ما صارت هذه الاستراحات معهد تدريب مصغراً للإهمال، والقيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة الوقت، ومزاراً يومياً لبعض أرباب الأسر، الذين ينقلون هذه العدوى المجتمعية إلى الأجيال الأخرى. – يتنافس السعوديون في الازدحام، والتكدس في أسواق التموينات التجارية في كل موسم، خصوصاً في آخر ليلتين من شعبان، والعيدين، في ظاهرة لا توجد إلا لدينا، فتكثر الحوادث المرورية، والمشاجرات الأسرية، والملاسنات في الشوارع، وتتحوَّل المدن إلى «تظاهرة» غريبة مريبة من حيث التسوق، ما يدل على سوء التخطيط، وغياب الفكر، وتفشي التخلف، فالبضائع موجودة، والأيام ثابتة، والأوقات متاحة، إلا أن هذا السلوك يتكرر ثلاث مرات من كل عام في رمضان، والعيدين، وكأن الأسواق تفتح قبل أي موسم بيوم واحد. – استغرب من تهافت بعض شرائح المجتمع، خصوصاً النساء، على تصوير الأطباق أياً كانت، بدءاً من صحن الفول، مروراً بالسمبوسة، والشوربة، وانتهاءً بالكبسات، والمفطحات، والبوفيهات المفتوحة، ووضعها خلفيةً في ال «واتسآب»، أو غيره من البرامج، ما يدل على وجود أزمة تخلف، ورجعية قاهرة، وهو جعل من ذلك الأمر مجالاً للتندر والسخرية، بل إن بعضهم يرسل، ويضع كل ما يطبخه، ويأكله، ويشربه، وكأننا في مجاعة، بدلاً من اختيار صور مهذبة، أو هادفة تعكس التحضر والقيم النبيلة. – يتبارى السعوديون في تعميم التجارب، فما إن تحدث مشكلة في بيت من بيوت الجيران، أو في مسلسل كوميدي، أو تراجيدي، حتى ينقلوها إلى منازلهم، لدرجة أن ذلك الأمر بات جزءاً من توظيف الحياة بوصفه «نازلة» قريبة تتربص بهم، الأمر الذي جعل ثقافة تعميم التجارب والأحداث تتجسد على أرض الواقع لتكون عدوى خفية، تهدم البيوت، وتزلزل كيانات الأسر. – السعوديون هم الأكثر سؤالاً عن الراتب، والعمر، وعدد الأولاد، والمنزل هل هو مستأجر أم تم شراؤه، وكذلك الوظيفة، في فضول غريب، يبدأ بسؤال واحد، وينتهي بعد عشرين سؤالاً، فكل سؤال تتمخض عنه أسئلة أخرى، ولا ضير في أن يكون السؤال موجهاً لك وأنت جالس على مقعد طائرة، أو تقف في طابور مطعم، أو بنك، أو تنتظر دورك عند حلاق، بل إن بعضهم قد يتطفل عليك، ويطلب منك رقم جوالك، وإن وجدت فضولياً برتبة «غثيث» فإنه قد يسألك عن موقع بيتك، ويطلب منك أن تتواصل معه رغماً عنك. – يتنافس معظم السعوديين في التعصب الرياضي المقيت، الذي أصبح من أهم الظواهر لدينا في البلد، وما يحدث بات جزءاً من كينونة الأسر، والمجتمعات المصغرة، حيث نجد التعصب في المنزل، والشارع، والمدرسة، والعمل، وفي كل مكان، الأمر الذي بات يشكِّل مشكلة مؤرقة جداً، تفرز الكره، وتؤجج الحقد، وقد ظهرت لدينا جرائم جنائية على خلفية هذا التعصب، فهو داءٌ بدأ يتفشى، ويكبر، والبشر يدورون في مداراته بتوسع، وتزايد. – هنالك مشكلة أزلية لدينا تتعلق باحترام النظام، والترتيب، فلا اعتبار لدينا لمواقف المعاقين، ولا لترتيب وقوف السيارات في مواقف الأسواق، والإدارات، ولا احترام يذكر لطوابير الانتظار في المستشفيات، أو البنوك، ولا التفات لأنظمة المرور، فلدينا أكبر حصاد من القسائم المرورية دولياً، ولو فتشنا في أحقية رخص القيادة، لوجدنا كثيراً منها أعطي ب «الواسطة». أصوات المنبهات لدينا متلازمة، حتى إن كانت الإشارة حمراء، وتحرك السيارات كالثعابين هو مَعْلَمٌ من معالم الشوارع. – لدى معظم السعوديين مشكلة تتمثل في الاستعجال، ما يخلق لدينا ثورة، وفوضى عارمة في الشوارع، الأمر الذي يؤدي إلى خلق نوع من الارتباك في كل شيء، فالمراجع مستعجل، والموظف مستعجل أكثر منه لجلب أولاده من المدارس، والأبناء يتسابقون للخروج من بوابة المدرسة قبل قدوم حافلة النقل، والأم تستعجل في المنزل في الطبخ، وترتيب البيت، وكل ذلك خلق لدينا ظاهرة ازدحام، واختناق، في كل أمور حياتنا، رغم كبر مساحة البلاد، وكثرة الخدمات المقدمة، وقلة عدد السكان، وعلى النقيض تماماً يقابل هذا الاستعجال الشعبي برود، وبطء شديدان في تنفيذ المشاريع، وفي إنهاء هذه المعادلة العكسية، ما خلق لدينا أزمة تخلف كبرى. كل ما سبق هو جزء من مظاهر التخلف لدينا، ويجب أن تعالج، وأن يتم توعية أفراد المجتمع بها، لكونها مشكلة أزلية، وتزداد مع السنين. لذا أطالب بتأسيس مؤسسة مجتمع مدني على هيئة جمعية لمكافحة التخلف، ووضع برامج عاجلة للتقليل من هذه المظاهر، وحماية الأجيال القادمة من الانغماس فيها، ورفع ثقافة المتورطين فيها وتوعيتهم بها، وحماية القادمين من الانزلاق إليها.