أسوأ شيء أن تكون مظلوماً، أو بلا ظهر يحميك، ثم تعيش في بلد طائفي بامتياز مثل لبنان؛ هناك لا بد أن تتعلم أبجديات الخوف، والقسوة، والانتقام، وتعيش أبداً على حلم الخروج من سجنك، أو من قبضة جلادك كي تنتقم، وتريه مصيراً يليق به، وترد له ولو بعض الظلم الذي أنهكك وعشيرتك به ظالماً عن ظالم. مَنْ يحكم لبنان هذه الأيام هم مجموعة قتلة باسم النضال والصمود والتصدي، وورثة كتائب حرب أهلية، يعبدون الدولار، ومَنْ يعذب السجناء ينتمي إلى هذه المنظومة الساقطة لا شك؛ فأين هو لبنان الذي يجب دعمه ومساندته عربياً طالما أن كل شيء في قبضة هؤلاء؟ وهل بقي من لبنان شيء يستحق عناء المساعدة والمساندة؟ في لبنان كما في كل بلد عربي فَقَدَ بوصلة العقل والصواب؛ يضرب القوي الضعيف، ثم يطالبه بضبط النفس، وعدم جرِّ البلد إلى الفتنة، ويأكل الغني لقمة الفقير، ثم يدعوه إلى طاولة حوار، ويتكلم المتنفِّذ باسم شعب كامل، ثم يدعوه إلى المشاركة السياسية.. فمَنْ يدعم بلداً بهذه المواصفات؟ لم أعد أهضم لبنان بوصفه بلداً صالحاً للحياة منذ أن تحوَّل إلى بقايا شعب، يلهث خلف دور نضالي لا يناسبه، ولم يُخلق له، وبولاءات متنافرة ضيَّعت سكينة الضيعة، وأحلام الجوار بين البسطاء، الذين يجدون أبناءهم من حين لآخر في سجن رومية، وغيره، يُسحلون، ويُجلدون دونما ذنب، أو معصية كبرى. في لبنان «الحرية» أكثر من جلاد، وأكثر من سجن، وأكثر من منفى للآدمية، وطائفية لبنان هي الأسوأ بكل تأكيد، ولكن لأنه بلد صغير، وله تاريخ سياحي ناعم، فكل العرب يحبون لبنان، ولو من باب الذكريات. الصورة الذهنية لم تتغيَّر عن البلد الجميل، والفاتن في عقول بعضهم، ولكنها تغيَّرت، وأصبح البلد مجرماً في حق الضعفاء.. فمَنْ يستفيق؟!