لبنان البلد الذي رسمتُ له في طفولتي - قبل زيارته - أنموذجا عربيا فريدا في ديموقراطيته وبرلمانه وحريته وكانت صورة سياسية رومانسية-رغم التنافر بين السياسة والرومانسية- عاشت معي لسنوات إلى أن مزقتها سنين الحرب الأهلية. ثم جاءت معالجة الوضع الدامي بترياق مؤقت أعطى لبنان فرصة التنفس ولكنه استمر يحمل أسباب تمزقه حيث إن المصالحة تمت تحت مظلة الطائفية. ولهذا فبرغم أن لبنان يملك من مقومات النمو ما يتمناها سواه وبرغم ذلك استمر التدهور الاقتصادي والسياسي والأمني وسيتبعهما التدهور السياحي - المصدر الرئيس للدخل - وكنت قد حذرت من ذلك عام 2000م. وأخشى أن أقول بأن قمة التدهور الأمني كانت في اغتيال الحريري رحمه الله ولكنني أخشى أن يتبعه ماهو أشد. وبرغم ذلك أملت أن يكون مقتل الحريري نقطة تحول من انتماء الطوائف إلى الانتماء الوطني، ولأن صناع السياسة في لبنان هم صناع الحرب فيها فقد جاءت التحالفات والنتائج بثوب الطوائف، وجاءت الأصوات لتصب في تلك القنوات ولن تجد صوتا أعطي للوطن. الأمل في جيل لبنان من الشباب أن يتخلى عن طائفته و«ضيعته» الصغيرة إلى الضيعة الكبيرة التي أضاعها الكبار.أتمنى أن يتجرد الجيل الجديد من أسباب فرقته ويبني لبنان المستقبل. أتمنى أن نرى حزبا لبنانيا جديدا يبنى على أسس ديموقراطية ويعتمد الشفافية. حزباً قوامه من الشباب المتحررين من تحالفات الأمس وولاءات اليوم. ودعمه من شباب لبنان كل لبنان، لبنان الهلال ولبنان الصليب ولبنان الطوائف الأخرى. حزبا فسيفسائياً يمزج ألوان الطيف اللبناني كله بمثل ما تمتزج ألوان الطيف لتخرج لنا ضوء أبيض يمكننا من الرؤية. وقد كتبت في أوائل التسعينيات على لسان طفل لبنان قصيدة ابن لبنان وجاء فيها: إني خلعت عباءتي هي والعمامة إني تركت ... الذهبي في بهو ... إني وضعت هلالي الوضاء فوق المئذنة بعد التحرر جئت يا أماه ما أحلى العناق بيروت أضحت صبغتي بيروت أنت حبيبتي إني أتيت محرراً من كل تلك الأقنعة ورفعت صوتي للبرية تسمعه إني ابن لبنان ولا شيء معه وعذراً أن يكون هذا النداء الديموقراطي صادراً عن طالب في سنة أولى تمهيدي ديموقراطية.