مع إطلالة شهر رمضان الكريم تلامس روحانياته الإيمانية القلوب وتتسلل إلى الأرواح شذى نسيماته لتعانق روح المؤمن بعد غياب دام أحد عشر شهراً، اشتاقت الأنفس للقائه بعد أن كانت تخشى ألا تلقاه ويقدر الله لها إدراكه من جديد، تسعد أنفسنا وترتاح لتتطهر من ذنوبها وتغسل همومها بوقوفها بين يدي بارئها، فالأعمال الصالحة مضاعفة الأجر في شهر الرحمة والغفران. وما يحزننا اليوم أن نجد القنوات الفضائية قرب شهر رمضان تتسابق في إعلاناتها عن المسلسلات التي تعرضها على قنواتها، كل قناة تنافس الأخرى في الدراما، ولو سألنا أنفسنا ما هدف الإعلام من ذلك؟ وما هدف أصحاب تلك القنوات؟ قد يكون الهدف صرف الناس عن عباداتهم وصلاة الجماعة، وصِلات أرحامهم، وقيام الليل وختم القران، تلك الأعمال الجليلة التي يضاعف أجرها في شهر الرحمة والغفران، حيث يمضي الشخص أمام التلفاز ساعات طوال وفي يده «الريموت كنترول» يبحث عن مسلسلات تروق له ويحفظ أوقاتها ليتابعها ويستمتع بها، ناسياً أمام هذا الإغراء أو متناسياً أنه شهر الاستمتاع بالطاعات والعبادات، الذي ربما لو خرج وانقضى قد لا يدركه مرة أخرى! ولأن شياطين الجن مكتفية في رمضان فتأتي شياطين الإنس وتحل محلها، العملية ليست أكثر من تبادل أدوار، إنها ليست صدفة بل حركة مقصودة. في السابق قبل حوالي عشرين عاماً من الآن كانت القنوات محدودة وأكثرها قنوات محلية وكانت الدراما التي تعرض على القنوات محدودة، بل وتكثر البرامج والمسابقات الدينية التي تمتع المشاهد ويستفيد منها ووقته يذهب في فائدة إلى جانب مهامه الدينية، فهي بمنزلة استرخاء له، حتى البرامج الفكاهية كانت لها طابع خاص، ولكن اليوم مع انفتاح الفضائيات التليفزيونية وهي محطات تليفزيونية تبث إرسالها عبر الأقمار الصناعية لكي يتجاوز هذا الإرسال نطاق الحدود الجغرافية لمنطقة الإرسال، حيث يمكن استقباله في مناطق أخرى عبر أجهزة خاصة باستقبال والتقاط الإشارات الوافدة من القمر الصناعي، وبهذه الأجهزة التي تقوم بمعالجة تلك البيانات وعرضها على شاشة التليفزيون، انتشرت القنوات الفضائية وتخطت الحواجز الجغرافية وأصبحت تدخل كل بيت على الكرة الأرضية، تنافست تلك القنوات في برامجها وكل قناة لها طابعها الخاص، وأصبحت معظم القنوات العربية تعرض مسلسلات مدبلجة وتنقل واقع وحياة مجتمعات لا تتناسب مع حياة المسلمين وواقعهم وتنشر أفكاراً غريبة ودخيلة عليهم، قد يكون هناك تحفُّظ بعض الشيء عن هذه المسلسلات المدبلجة في شهر رمضان، ولكن من المؤسف أن نشاهد كثيراً من المسلسلات العربية تتناول قصص حب وانحراف ونشر أخلاقيات غير مقبولة بين فئات المجتمع، حتى المسلسلات التاريخية نجد اليوم فيها تحريفاً كبيراً، فمن تابعها سيقلب التاريخ العربي بأكمله، وهناك مسلسلات العنف والجريمة التي تكتظ بالمشاهد المأساوية، وعلى الرغم من أن هناك مسلسلات معبرة وتناقش قضايا ذات طابع إنساني إلا أنها لا تخلو من بعض التجاوزات كالسفور وخلافه، فأصبحت الدراما اليوم سلعة يُروَّج لها. وبعد ذلك السرد ما بالنا نحن المسلمين نشغل أنفسنا بهذه القنوات وما تعرضه! والله إنه شهر عظيم لا يعوض! فلو ملأنا قلوبنا بالإيمان وقضينا أيامنا وليالينا في ذكر وعبادة وقيام ليل ودعاء، فهناك ليلة من العشر الأواخر تعادل من عمر الإنسان 83 عاماً فمن أدركها كان من الفائزين في الدنيا والآخرة، فنحن لا نعلم أيعود علينا أم لا، ولنفهم نحن المسلمين أن اليوم هناك حملة عدائية شرسة لإلهائنا عن أمور ديننا وإماتة ضمائرنا وحيائنا وغيرتنا على محارمنا. علينا أن نبدأ بأنفسنا لنعيش روحانية شهر رمضان وقضائه في إرضاء الرحمن.