يقول برنارد شو: «نصف المعرفة أشدّ خطورة من الجهل». ذلك أن الجاهل يمتاز بفضيلة الاعتراف بجهله، ومعرفة قصوره ونقصه، أما «نصف المتعلم» فهو جاهلٌ، يمتلك القشورَ، فيُوهِم الجهلاءَ، ويُوهِم نفسَه أنه عالِم، فيأتي بالعجائب! وقد ابتلانا الله – جلّت حكمته- بأنصاف مثقفين، يقرأ عشر روايات، وكتابَين في تطوير الذات، ويذمُّ التيار الديني، ويطالب بليبرالية سلوكية، ويتغافل عن الليبرالية السياسية؛ ويُصبح مثقفاً! ومواقف هذا المثقف تكون قويةً عظيمة في جوانب نقد المجتمع وجلده، ثم تراها خانعةً ذليلةً في قضايا الحقوق الكبرى، التي تهمُّ أمر المجتمع، ويكون بها تسيير حياة الناس، وتحقيق العدل، ورفع الظلائم والاستبداد، وغيرها، وابتلانا الله – والحمد لله على قضائه- بأنصاف مشايخ! قرأ أحدهم كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية، وآداب المشي إلى الصلاة، ثم أسبل لحيتَه، وقصَّر ثوبَه، وأخذ يحارب الليبرالية، والعلمنة، والسينما، و»قيادة المرأة»، والتغريب؛ وأصبح شيخاً! لم نكن هكذا من قبل، ولم يكن استغفالُ المجتمع وتسطيحه في أوجهِ كما هو الآن، فنحن اليوم أمام عدد هائل من «المتمشيخين» و«المتثقفين»، الذين يصنعون هذا الصراع السخيف التافه دون اهتمام حقيقي بروح الإسلام وعدله وسماحته ورسالته، ودون اهتمام بالحقوق الإنسانية، والعدل والمساواة، ورفع الظلم، وتحقيق الشراكة العادلة والمواطنة، بل هم في صراعٍ كصراع الديكة، لا يفيد أحداً، ولا يحقق مشروعاً، ولا يبني وطناً، ولا يُنتح عدلاً! ولو كان لي من الأمر شيءٌ لقلت للناس: أسقطوا هؤلاء «المتعالمين» من أعينكم، واطردوهم من نفوسكم، وألغوا متابعة حساباتهم، واحرصوا على مَن يكون متضلِّعاً في فنِّه، مؤمناً بالاختلاف وسننه، متواضعاً متّبعاً الحقيقةَ أنّى وجدها، بعيداً عن التحريض والطائفية والصراع التافه السقيم!