لم تجف دماء شهداء الدالوة حتى فُجعنا من جديد بشهداء مسجد القديح، ولربما لن يكون هذا التفجير الأخير في ظل الصراع الإقليمي الذي اجتاح المنطقة كلها، وحفاظاً على دمائنا نطالب بضرورة الإسراع بسنِّ قانون يجرِّم الطائفية، ويحارب ثقافة الكراهية والتكفير. ما حدث في الدالوة، والقديح، وأخيراً في مسجد الحسين في حي العنود بالدمام، جاء نتيجة «تعبئة مضادة»، استغلها ضعاف النفوس والدين من أجل نيل «بركة السماء»، والدخول إلى الجنة، والسعي الحثيث إلى إقامة شرع الله من منظور ثقافتهم، وهذا ما نشاهده جلياً في العراق، وسوريا، وكافة بقاع العالم. لقد تسلل لنا الفكر الداعشي، الذي تدعمه، وتغذِّيه دول كبرى، والهدف هو ضرب وحدتنا الوطنية، والقضاء على العيش المشترك. وتساهم القنوات الفضائية، والمنابر الدينية الطائفية من كلا الطرفين، وبعض رجال الدين على مواقع التواصل الاجتماعي المرئية، والمقروءة «من الطرفين» في رفع وتيرة الخطاب الطائفي، والتأجيج بين الطوائف، والخاسر الأكبر ليس طائفة بعينها بل هو الوطن بأكمله. الإرهاب إذا حلَّ بمكان يحرقه، ويمزّقه، ولا يُرى لون دون لون، وهذا ما لا نريده أن يتوغل، ويعيش، وينتشر في أذهان بعضهم من الذين لا يفهمون إلا لغة الدم، ويشتاقون إليها. الإرهاب لا يعرف ديناً، ولا مذهباً، ولا فكراً، ولا ثقافة. الملاحظ في فترة الشهور الماضية بروز حملة إعلامية، ساهمت بشكل مباشر في زرع الكراهية للآخر. إننا نعيش في هذا البلد العزيز، المملكة العربية السعودية، وفي ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الذي لا يدع مجالاً للشك بالتأكيد على أننا محتاجون إلى الألفة والمحبة والتعايش واحترام الآخر، وهذا لا يتأتى إلا بالاعتراف بالاعتداء وتجريمه. هناك مَنْ يستغلنا إعلامياً من الطائفتين لينفخ في نار الكراهية، وإهانة رموز الآخر، وهنا أشير، ودون مجاملة، وأقولها بكل صراحة: هناك قناتان، واحدة «سنية»، والأخرى «شيعية»، هما شريكتان في تأجيج الطائفية، ومَنْ يتابعهما يشاهد عن كثب حجم الكره، والبغض، والكراهية، الذي يصدر منهما. دعونا نضع أيدينا في أيدي بعض، ونرسم غدنا الواعد، الذي لا مكان فيه للطائفية، باتحادنا سنة وشيعة وقيادة، كما علينا نشر ثقافة التسامح والأخوة والمحبة، فنحن في سفينة واحدة، وكلنا سنغرق إذا لم نحافظ عليها من «الأمواج المتلاطمة». يقول الإمام علي، رضي الله عنه، في رسالة إلى والي مصر، المعروف عنها تعدد الديانات السماوية، مالك الأشتر «يا مالك الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق». كلام يمثل أروع، وأجمل قيم السماء، ويكرس روح الوحدة في المجتمع، وروح البناء الفكري والثقافي والإنساني. الناس أحرار فيما يعتقدون، وهذا لا يمنع من الحوار البنّاء مع مَنْ تختلف معه، ولا يجب إشعال فتيل الحرب بمجرد الاختلاف معه حتى لو أخطأ في أصل العقيدة في نظرك، فهذا لا يعطيك الحق في أن تستبيح ماله وعرضه وثقافته، كما يفعل تنظيم داعش الآن.