(يُمَّهْ، آسفْ/ نَامِي وَحْدِچْ/ آنا هذا اليوم عند الله أنامْ/ ولا تِحَاتِيني يَيُمَّه/ ما كًو إرهابي يفجّرْنا بقنابلْ/ ماكو وَرْدْ الليلةْ من الخوفْ ذابلْ/ كلنا يمّ الله بسلامْ/ ما أريدْ أرجعْ بعدْ للدّنيا، آسفْ،/ قلبي يا يُمّهْ حمامةْ/ والأرضْ مو للحمام).. مثّلتْ هذه المقطوعة الشعرية التي جاءت في لغةٍ شعبية دارجة، ولكنها مشبوبة بمعاني فجائعية لا يمكنها أن تغادر القلب إلا واللوعة والألم يعتصران من يقترب من المشهد؛ فالشاعر علي الصايغ راح يتصور الطفل الشهيد، أو عصفور الجنّة البديع حيدر المقيلي، الوجه المنير والطلعة البهيّة التي افترستها أنياب الشر والإرهاب البربريّ الحاقد، واغتالته الوحشية التي تغلغل بين جوانحها الفتك وضرب قيم الإسلام والمحبة والسلام.. واستشهد حيدر بعد أيام معدودة من تخرّجه من أولى مراحل التعليم ما قبل المدرسي.. حيدر هو حكاية الطفولة التي أبكت زينب، وعلي، وجميع الأطفال الذين صعقتهم فاجعة الجمعة الدامية التي استشهد في صلاتها 21 شهيداً في بيت من بيوت الله هو مسجد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بسبب الجريمة النكراء والعمل الإرهابي الجبان الذي جرت فصوله على أرض مدينة القديح، ذات البساتين التي يأرج فيها شجر الرازقيّ والورد والمشموم، وينفح في فضائها الليمون، مع باسقات النخيل التي تكاد سعفاتها تنقش الكرم المضريَ على كل عذوق ثمارها؛ إذ هي تربة العطاء والتكاتف والمحبة، كما هو الحال في باقي مدن وبلدات المنطقة ذات الوجه النضير والحضور البارع في مقامات التميز والإبداع والإنجاز. يأتي هذا الحديث الإنساني الذي تتشعب منطلقاته وسط بلد مكلوم وأمام رزية مفجعة، فيما تتوزع أبعاده المشجية وآلامه المدمية في مديات الأفق، وتبرز مجموعة قواسم مشتركة لتجمع كل ذلك ضمن إطار يحمل شؤوناً ويتأّوّه شجوناً، ويمكن أن ننتقل عبره إلى محطة مهمة يأتي في مقدمتها سؤال لا مناص من طرحه، عبر التمهيد والإيضاح القادمين. قبل ثمانية شهور، كانت هناك واقعة مماثلة، وهي الجريمة الإرهابية في بلدة الدالوة العزيزة في محافظة الأحساء العزيزة، التي أُشبعت حديثاً، بل وما زالت مآلاتها محلَّ اهتمام لدى كثيرين، ولعل أهم ما أفرزته تلك الواقعة هو الالتفات إلى ما يراد من فتنة تسعى لضرب ركائز الوحدة الوطنية عبر نشر ثقافة تكرس خطاب الكراهية والسعي إلى استغلال ضرب تماسك المكونات الوطنية ومحاولة تأجيج لغة العنف الطائفي عبر خطط فئة مارقة خرجت عن كل القيم والمبادئ وتجاوزت على الآمنين الذين عُرفوا بحبهم لبلادهم وعشقهم لأرضهم، فيما جاءت توصيات جميع المهتمين بالشأن العام أو الشأن الوطني بضرورة وضع نظام لتجريم كل ما يتسبب في إثارة العناوين الطائفية ونتائجها الخطرة من خلال الترويج لمفاهيم الشحن الطائفي، ومحاولة جر الفتن للداخل من خلال وسائط التعبئة الإعلامية من قنوات تستضيف بعض طلبة العلم وبعض المشتغلين في الدعوة أو الأكاديميين في بلادنا للتعريض بالطائفة الشيعية تارةً وتكفيرها أو تهديدها تارة أخرى، وهذا واضح لكل راصد موضوعي، وهو الأمر الذي ينظر إليه العقلاء بأنه معول هدم خطير وخروج على النظام الأساسي للحكم الذي يمنع المساس بكل ما يضر بالوحدة الوطنية. إضافة إلى أن هناك مطالبات مستمرة ناقدة لإيقاف الكتب التي تطبع وتوزع في الوقت الذي تحتوي على بعض المضامين التي لها أبعاد تطعن في المكونات الوطنية الأخرى؛ مما ينشر الفكر المتشدد الرافض للآخرين المختلف معهم، وبتراكم مثل هذا الفكر الإقصائي، تنشأ وعبر الحواضن الفكرية السلبية والمنابر المشجعة على تكفير أو نعتهم بالضلال والبدع؛ ما يقود إلى حالة فكرية مأزومة يكون من نتائجها ما حدث في الدالوة قبلاً، والآن في القديح، وقد طرح عضو مجلس الشورى الأستاذ محمد رضا نصرالله في حوار متلفز له ما مجمله أنه وستة أعضاء في المجلس طالبوا سابقاً بضرورة وضع نظام يجرم كل ما يتسبب في البعد الطائفي، من تحريض لا يزال في المواقع الإلكترونية، وفي صفحات بعض الأسماء التي لها علاقة بالدعوة أو طلب العلم، وأرجع حالة التراخي في دراسة ذلك إلى الحالة البيروقراطية في مجلس الشورى. يتفق الجميع على أن الوضع خطير جداً، ولا بدّ أن تكون هناك إرادة حقيقية للحفاظ على جميع المكونات الوطنية ومكتسبات الوطن.