ما بين «أزماتنا الجغرافية العربية» وبين الواقع، أحداث تمر من تحت أبواب أفكارنا، لا نستطيع الحدَّ منها، أو منعها، فكل صاحب فكر يرمي سنارته في مياه المجتمع، محاولاً الاصطياد بما تتجمّل به سنارته من طُعم، وقد أصبحت عقولنا مثل الأسماك، تسبح جائعة بين الأطعمة المعروضة، وأنت ونصيبك، فإما أن تكون من الصالحين أو تكون من «الطالحين»، فأنت مجرد فريسة، تم اصطيادها من أجل هدف معيّن، يدور في ذهن الصياد، وقد تم تحديده من قِبل أفراد عائلته الفكرية، الذين ينتظرونك لتشريح عقلك، و»طهوه» على مائدتهم الحزبية، أو الدينية، أو السياسية، لتقديمك وجبةَ قربانٍ إلى أسيادهم. كنا قديماً نحذر الأبناء من قرناء السوء، الذين كانوا يعيشون في هيئة أشخاص معنا في نفس الحي من جيران، وأصدقاء دراسة، وزملاء عمل، حينها كان القرين معروفاً، وكذلك عنوانه لدى الجميع، وأحياناً يكون من المنبوذين، الذين يشار إليهم بالبنان في أزقة الحي، وطرقاته، أما الآن فقد أصبح القرين مجهولاً، بعيداً في أماكنه الجغرافية، وأصبحت سنارته إلكترونية، تعبر المحيطات والأنهار، تهاجمنا من كهوف مظلمة، وبشعارات زائفة، وأديان ومذاهب مختلفة، وأفكار غريبة على مجتمعنا لأسياد مجهولين، لهم طرق «قربانية»، وإذا لم نعدَّ العدة لمحاربتهم، أو التنويه، والتوعية بمخاطرهم، فسيحلُّ البلاء، ويقتل أحلام كل أسرة عاشتها مع أبنائها بمستقبل يليق بهم، وأعدت العدة من نصح، وسهر، وتعب من أجل أن تُخرج للمجتمع جيلاً، يرتقي به لمصاف المجتمعات الراقية. ولكن مع الأسف إحدى هذه السنارات خرجت من بيت من بيوتنا، لتصطاد أبناءنا عبر إحدى وسائل الإعلام، ففي هذه الأوقات الحرجة مع قرب الاختبارات، وضرورة التحذير من المخدرات وخطرها، وجدنا هذه الوسيلة الإعلامية تستضيف إحدى فرائس سنارات الفكر الإرهابي، الذي لا يمثل الإسلام – الدين الوسطي المعتدل – يتكلم أمام الجميع عن المخدرات، وما أوصله لتعاطيها من تخبط في حياته حتى استطاع أن يصبح مشهوراً، ويخرج للناس على الشاشات، ويروي مغامراته لهم. والسؤال المهم هو: لماذا نسينا، أو تناسينا حب التقليد، وحب الظهور، والتميز لدى الأبناء؟ بيوتنا الاجتماعية أصبحت مكشوفة أمام العواصف الفكرية، التي تحاول بكل قوة الدخول إليها رغم أن الأبواب، والنوافذ مغلقة، ولكن قوة الدفع دائماً تحدث تذبذباً، وتصدعات، تدخل منها بعض سموم تلك العواصف. لقد أصبح القرين في عصرنا الإلكتروني المتطور يدخل إلى البيوت إما عن طريق رسالة، أو تغريدة، أو صورة، وربما عبر برنامج تليفزيوني، فإن صلحت صلحنا، وإن «تشوَّشت» أضرَّت بالعقول، إلا مَنْ رحم ربي ممَّن استطاعوا تحديث برامج الحماية لديهم قبل أن يتمكَّن منهم فيروس السنارة المدسوس بكل دهاء في الطُّعم، وتتلقفه الأفواه الجائعة. بالأمس خرجنا من صلاة الجمعة على وقع خبر محزن، استهدف اللحمة الوطنية، وهو التفجير الإرهابي في مسجد القديح بالقطيف، الذي يعد عملاً إجرامياً، أُعدت سنارته جيداً، لاستهداف مصلين خاشعين في صلاتهم، تنتظرهم عائلاتهم على مائدة غداء الجمعة، وبدلاً من الاجتماع معهم، فجعوا بخبر فقدان أخٍ، أو أبٍ، أو قريبٍ لهم، لتتحول سعادتهم إلى حزن على فراق موجع. أي فكر مريض هذا الذي يقف خلف هذه الأعمال الإرهابية، وأي سنارة هذه التي اصطادت، وخرَّبت، وقتلت، وأي دين هذا الذي يعترف بقتل نفس بشرية، ذهبت لتعبد الله، وتدعوه في مساجده؟! حمى الله الوطن، ولُحمته، وردَّ كيد أعدائه في نحورهم.