هي مسرحية للكاتب والفنان عبدالباقي البخيت، أبطالها أربع شخصيات: ثلاثة لصوص، بو الركب، جلعون، كعيد، وحفار المقبرة، تدور الأحداث فيها بين اللصوص والحفار على دفن نقود في حوزة اللصوص بالمقبرة، ولكن كثرة الموتى ويقظة الحفار تحولان دون إكمال المهمة، مسرحية كان الكاتب فيها موفقا في اختيار المقبرة مكانا للأحداث؛ فقد ساهم ذلك في إيصال أفكاره التي أرادها، وجعل المسرحية أقرب إلى الواقع وتلامس قضايا الناس، فالحفار هنا شخصية خلقها الكاتب لتحمل جزءا من أفكاره وأحلامه وتطلعاته تجاه عالم أكثر إنسانية، فهو يجعل الحفار يحاكي الموتى ويستمع إلى قصصهم، وبناء على تلك القصص يصنف الموتى ويمنحهم أرقاما مميزة، فهو يقول: «الحفار» هذه هي مملكتي أصنع فيها ما أريد، ولديه سجل يسجل به معلومات الموتى، وهو ما سوف يبحث عنه «بو الركب» وسوف يكون من حكايات المسرحية المشوقة، كما أن الحوارات جاءت بطريقة أقرب إلى أسلوب المثل أو الحكمة؛ مما جعل الحوار أكثر إقناعا للمتلقي، كما أن من يتتبع الحوارات جيدا يجدها قد فصلت بحيث تناسب هوية المتحدث، وهي براعة لا يتقنها إلا من تشرّب فن الكتابة، فهو في وصفه حفار المقبرة (برجل مسن) ولو رجعنا إلى حوارات «الحفار» وتتبعناها جيدآ لعرفنا أنه كذلك فهو يقول «الحفار» فحين تغيب الوجوه تتلاشى مع الزمن صورها ويبقى ما رصد له. «الحفار» هي قطعة من الأرض لا ترى إلا حين تغرغر الروح. هي حكمة وعادة لا تخرج إلا من رجل مسن خبر الحياة، وعندما تتابع قراءة المسرحية تلاحظ كيف أن الحوار يكون مناسبا تماما لتغير الشخصية، ولو أخذنا شخصية «جلعون» وكيف كانت الطريقة التي يتحدث فيها في بداية المسرحية وفي نهايتها، لعرفنا أن الكاتب متمكن من أدواته، «جلعون»: إلى متى سنظل تحت رحمة هذا الحفار، لماذا لا نتخلص منه بضربة ونرميه في أحد القبور. «جلعون»: أغرب عن وجهي، سئمتك، فلا الليل سباتك ولا النهار معاشك، دروب الحياة معك متعرجة. «جلعون»: كفى، لقد فطنت وأدركت، خلعت غشاوة العين، لم أعد ذاك الرغيف الرطب يؤكل في أوانه. ما يلاحظ أن «جلعون» كان يتكلم بحدة في بداية المسرحية ولكن في الحوار الثاني بعد أن تعرض كعيد إلى قرصة عقرب كان جالسا بقربه ويعاتب نفسه وهي بداية الصحوة في الحوارات الثلاثة كان الانقلاب على «بو الركب ورفض أن يكون معه في نفس الطريق، أما الحوار الرابع فهو يهدد «بو الركب» لم أعد أعمى ولا ضعيفا كي تسيطر علي. إن هذا النوع من الحوارات العميقة والهادفة هو من يسمح بنمو أفكار مشتركة بين أبطال المسرحية وبين الجمهور. والكاتب في هذا المسرحية يناقش. الوفاء، الأمانة، الخيانة، الحرام، انتشار النفاق بين الناس لدرجة أن الصدق ليس له مكان، عمل رائع ونحن في هذا الأيام ما أحوجنا إلى مسرح يطرح أسئلة على المتلقي كي يستفز المتلقي للإجابة عنها.