تعزَّزت أمس فرص إنفاذ هدنة الأيام الخمسة في اليمن بعد إعلان الجيش المتمرد على الشرعية موافقته عليها مع تلميح الحوثيين إلى الأمر نفسه، لكنهم عاودوا إطلاق صواريخ على نجران، بينما ظهر الرئيس السابق علي عبدالله صالح في أحد المواقع في صنعاء بالتزامن مع الإعلان عن قصف المقاتلات أحد مقارِّه. وأعلن الجيش الموالي للتمرد عن قبوله بالهدنة التي تبدأ مساء غدٍ الثلاثاء، وقال المتحدث باسمه، العقيد الركن شرف غالب لقمان، إنه «بناءً على مساعي بعض الدول الشقيقة والصديقة في إيجاد هدنة إنسانية يتم خلالها (..) السماح للسفن التجارية بالوصول إلى الموانئ اليمنية وفتح المجال للمساعدات الإنسانية؛ فإننا نعلن موافقتنا عليها». ولم يُشِر بيانٌ للحوثيين صراحةً إلى الهدنة التي أقرَّتها الرياض، لكنه أبدى استعداد الجماعة ل «التعاطي بإيجابية مع أي جهود أو دعوات أو خطوات إيجابية جادة». وتحدث البيان، الصادر باسم مكتبهم السياسي أمس، عن «جهود الدول الشقيقة والصديقة»، في إشارة على ما يبدو إلى تقديم روسيا اقتراحاً بداية الشهر الجاري لوقف إطلاق النار من دون أن تنجح في تمريره داخل مجلس الأمن الدولي. ويأتي ذلك بعد ساعات من قصف مقاتلات تحالف إعادة الشرعية منزل الرئيس السابق في صنعاء؛ وبعد ليلةٍ ثانية من الضربات المكثفة على مواقع الحوثيين في معقلهم الرئيس في صعدة (شمال). وتنتهي الهدنة إذا خرقها المتمردون، كما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الجمعة الماضية في باريس، لكنه لم يستبعد تمديدها حال صمودها، في وقتٍ حَّث نظيره الأمريكي، جون كيري، على «عدم تحريك المتمردين قواتهم خلال الأيام الخمسة أو إجراء مناورات لإعادة التمركز أو نقل أسلحة ثقيلة»، مؤمِّلاً «تمديد الالتزام». وكانت اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه الرئيس السابق؛ أصدرت بياناً أمس الأول رحَّبت فيه بوقف القتال. وفي تمام السابعة من مساء الجمعة الماضية؛ بدأ التحالف العسكري لإعادة الشرعية حملة ضربات جوية مكثفة في محافظة صعدة (معقل الحوثيين). وشنت المقاتلات 130 ضربة جوية يومي الجمعة والسبت استهدفت 100 موقع تعود ل 17 قيادياً حوثياً. وتواصلت الضربات ليل أمس الأول، ورصد سكان «15 غارة على الأقل في كافة أنحاء المحافظة». وذكرت مصادر أخرى في المحافظة أن 37 صاروخاً أُطلِقَت مساء أمس من موقع للقوات البرية السعودية على تجمعات حوثية مسلحة في مناطق الملاحيط وبني صياح والظاهر والحصامة. وقبل تكثيف الضربات؛ حذر التحالف المدنيين ودعاهم إلى الخروج من منطقتي صعدة ومران. بدوره؛ أفاد محافظ عمران، فيصل جعمان، بأن محافظته استقبلت ما يزيد على 100 ألف نازح خلال الأيام الثلاثة الماضية قادمين من محافظة صعدة. وأكد جعمان أن «النزوح تواصَل» وأن «النازحين يقصدون عمران وصنعاءومحافظات أخرى»، داعياً إلى «تقديم الدعم والمساعدة الإنسانية لهم». ووفقاً لمراسلي وكالة أنباء «الأناضول» التركية؛ يوجد معظم النازحين في مديريتي حوث وخمر في عمران و»قد اتخذوا من المدارس والمرافق الحكومية فيها مخيمات لهم منذ ثلاثة أيام». وجاءت حملة الضربات المكثفة على مواقع التمرد في شمال اليمن رداً على إطلاق صواريخ على منطقتي نجران وجازان الواقعتين جنوب المملكة قرب الحدود السعودية- اليمنية. وبعد توقفٍ دام يومين تواصَل أمس العدوان على نجران؛ إذ أفاد المتحدث باسم التحالف، العميد الركن أحمد عسيري، ب «إصابة 4 مواطنات في المنطقة جرَّاء سقوط صواريخ كاتيوشا على منزلهن». وردت القوات البرية السعودية بقصف مواقع إطلاق الصواريخ على الجانب الآخر من الحدود. وتعهَّد عسيري، في تصريحاتٍ لوكالة الأنباء الفرنسية، ب «مواصلة الرد على اعتداءات المتمردين بالصواريخ على مدننا وسكاننا؛ حتى بدء سريان وقف إطلاق النار في تمام الساعة 23 من يوم الثلاثاء بالتوقيت المحلي». لكنه رفض الجزم بالتزام الحوثيين من عدمه بالهدنة، واعتبر أن «ميليشيات من هذا النوع لا نحكم عليها إلا على أساس أفعالها وليس ما يذكره الإعلام»، مضيفاً «لننتظر حتى الساعة 32 يوم الثلاثاء». وأمام أكوامٍ من الركام؛ ظهر الرئيس السابق علي عبدالله صالح أمام بقايا منزلٍ له طالته ضربة جوية، وألمح إلى إمكانية تحالفه علناً مع الحوثيين. ويوصف صالح، الذي ترك الحكم مطلع عام 2012، بالحليف المحلي الأول للحوثي، ويُتَّهم بأنه سخَّر المؤسسة العسكرية التي يتمتع بنفوذ بالغ فيها للانقلاب. وتعرض منزل له في العاصمة إلى ضربة في ساعةٍ مبكرة أمس، وتصاعدت أعمدة الدخان منه مع سماع دوي 3 انفجارات. وأوردت وكالة أنباء «خبر» اليمنية المرتبطة بصالح أنه بخير «هو وأفراد أسرته» بعد 3 ضربات استهدفت مقراً لهم. غير أن الرئيس السابق ظهر بعدها بساعات على شاشة قناة «اليمن اليوم» المملوكة لأسرته وتحدث عن إمكانية تحالفه علناً مع الحوثي، علماً أنه ينكر منذ أشهر قيام مثل هذا التحالف. وإذ حذر من «خلايا نائمة يجب مواجهتها بحسم وقوة في حالة إذا قامت بأي اختلالات أمنية»؛ دعا «باسم الشعب إلى حوارٍ وسلم»، فيما ظهر الركام من خلفه. وفي الجنوب؛ بدأ سكان في عدن رفع الأنقاض من شوارع حي دار سعد الذي أعلنت المقاومة السيطرة عليه بعد أسابيع من القتال في مواجهة الميليشيات. واستهل عشرات السكان أعمال رفع الانقاض على طول الشارع الرابط بين دوار السفينة ودوار الكراع. وشوهد أفراد من المقاومة وهم يشاركون في رفع المخلفات من الشوارع الرئيسة لتسهيل حركة المرور. وأورد موقع «عدن الغد» أن «عدداً من المحال التجارية في الحي عاودت فتح أبوابها» وأن «الحياة سارت بشكل شبه طبيعي». لكن القتال استمر في منطقة كريتر وسط المدينة، ونسب «عدن الغد» إلى مصادر قولها إن المقاومة العدنية واصلت الاشتباك مع الميليشيات في الحي. وذكرت المصادر أن قوات صالح والحوثي الموجودة في كريتر ارتكب جرائم بحق المدنيين مساء أمس الأول وصباح أمس. وأضافت أن هذه القوات حاولت مساء السبت التوغل بين حارات المنطقة لكنها واجهت مقاومة عنيفة فردَّت بإطلاق قذائف الهاون على منطقتي البوميس والطويلة ومنازل قريبة من نقطة الشرطة «ما أدى إلى استشهاد 7 مواطنين على الأقل». ولاحقاً؛ أفادت وكالة أنباء «الأناضول ب «سقوط كريتر» التي توصف ب «قلب عدن» في قبضة التمرُّد بعد 40 يوماً من القتال. ونسبت إلى سكان محليين أن «ذخيرة المقاومين نفذت» وأن المنطقة التي تضم قصر المعاشيق الرئاسي سقطت في قبضة الميليشيات. وأبلغ مصدر «الأناضول» أن «الذخيرة نفذت بشكل تام من قِبَل أفراد المقاومة، ولم يمدّنا أحد بشيء»، مضيفاً «صمدنا لأربعين يوماً رغم الحصار وقطع الكهرباء والمياه والإنترنت»، بينما ذكر موقع «المشهد اليمني» أن القتال استمر في منطقة خور مكسر القريبة. ونسب الموقع نفسه إلى مصادر قولها إن «المقاومة تمكَّنت من صد هجوم لقوات متمردة حاولت اقتحام مدخل عدن الغربي والسيطرة على مصفاة نفطية في المدينة». وأسفرت المواجهات عن مقتل 15 مسلحاً متمرداً وإصابة آخرين في مقابل 4 قتلى وعددٍ من الإصابات في صفوف المقاومة، وفق المصادر التي شرحت أن «الحوثيين وقوات صالح حاولوا التقدم من منطقة رأس عمران باتجاه منطقة صلاح الدين بغرض السيطرة على المصفاة النفطية الرئيسة في المدينة، إلا أنهم واجهوا مقاومة تحوَّلت إلى اشتباكات عنيفة». وقبل أيام؛ سيطرت الميليشيات التي تواجه مقاومة عدنية شرسة على منطقة التواهي (وسط المدينة). وردَّت مقاتلات التحالف بشن ضربات جوية على مواقع في المنطقة؛ ورصد عددٍ من سكانها الإغارة أمس على مخازن أسلحة وذخيرة تابعة للقوات البحرية. وقال موقع «المصدر أونلاين» إن «الغرض هو منع استفادة المتمردين من هذه المواقع»، مشيراً إلى غارتين على الأقل استهدفتا «مخازن السلاح في رأس مرابط التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة» التي تشرف على العمل العسكري في 5 محافظاتجنوبية أحدها عدن. في غضون ذلك؛ أعلنت قبائل مأرب عن مقتل 13 مسلحاً حوثياً في جبهة صرواح غرب المحافظة التي تقع وسط البلاد. كما أكدت تدمير مدفعية كاتيوشا تابعة للحوثيين في منطقة الجدعان التابعة لمديرية مجزر (شمال مأرب). وعقب دقائق من انتهاء مهلة محلية؛ شنت القبائل المأربية هجوماً على مواقع المتمردين في صرواح وماس رداً على عدم استغلالهم المهلة في الانسحاب من الحدود الغربية والشمالية للمحافظة. وفي محافظة شبوة القريبة؛ قُتِلَ 8 متمردون فجر أمس إثر كمين نفذته المقاومة في منطقة وادي خر القريبة من مديرية بيحان. وأبلغ مصدر محلي موقع «عدن الغد» أن «الكمين استهدف طقماً عسكرياً كان على متنه عددٌ من أفراد قوة موالية للانقلاب في وادي خر». وأكد موقع «المصدر أونلاين» حصيلة القتلى. وعلى الصعيد الإغاثي؛ أعلن برنامج الأغذية العالمي أن سفينة تابعة للأمم المتحدة محملة بالوقود وصلت إلى اليمن لمعالجة توقف توزيع الأغذية في بعض مناطقه بسبب نفاد الوقود. ورست السفينة المحملة ب 300 ألف لتر من الوقود والمعدات أمس الأول في ميناء الحديدة (غرب) «على أن تصل سفينة ثانية مساء الأحد (أمس)»، كما قال البرنامج في بيانٍ له. في سياقٍ متصل؛ تحدثت وكالة أنباء «تسنيم» الإيرانية أمس عن استعداد ما سمَّتها «سفينة مساعدات إيرانية» للإبحار إلى ميناء الحديدة، في خطوةٍ من المرجح أن تثير مزيد من التوترات مع التحالف العسكري لإعادة الشرعية. وذكرت «تسنيم» أن «السفينة ستحمل 2500 طن من المساعدات الإنسانية وبينها مواد غذائية أساسية وأدوية». وتتهم السعودية ودول التحالف إيران بالسعي لتهريب أسلحة وذخيرة إلى الحوثيين، لذا فرض سفن حربية حصاراً بحرياً على الموانئ اليمنية. ودمرت طائرات التحالف بقيادة السعودية مدرج طائرات في مطار صنعاء الشهر الماضي لمنع طائرة إيرانية يُشتبَه في نقلها أسلحة من الهبوط.وفي الرياض؛ أصدرت الحكومة اليمنية الشرعية تحذيراً من تعامل موظفي الدولة مع الانقلابيين. ونبَّهت الحكومة، في بيانٍ لها أمس، منتسبي الجهاز الإداري للدولة إلى خطورة التعاون مع الميليشيات الحوثية و»العبث بالمؤسسات الحكومية وأجهزة الدولة خاصةً وسائل الإعلام الرسمية»، محذِّرةً من «توظيف أجهزة الدولة لأهداف انقلابية واستغلالها للترويخ لأفكار ضالة». ودعت الموظفين المدنيين والعسكريين في الوقت نفسه إلى «تحكيم العقل وعدم الانجرار وراء تلك الميليشيات التي لم يجنِ منها المواطنون غير القتل والدمار والفتنة الداخلية وفتق النسيج الاجتماعي وإساءة العلاقات التاريخية للدولة اليمنية بمحيطها الجغرافي». وشددت على أنها ستحاسب كل من عَبثَ بمؤسسات الدولة وسهَّل للحوثيين السيطرة على مقدرات الشعب خصوصاً من لا يزال يصر على العمل مع تلك المليشيات. كما حذرت الميليشيات وأنصارها من الاستمرار في الاعتداء على منتسبي الجهاز الإداري للدولة الرافضين للانقلاب، وأكدت أن «تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم» وأن «يد القضاء ستطول مرتكبيها وتقتص منهم»، مفصِحةً عن «مضيِّها في اتخاذ كافة السبل القانونية والدستورية لمعاقبة المتمردين ومن يناصرهم». وفي الكويت؛ التقى نائب الرئيس اليمني، خالد بحاح، رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، وبحثا «مستجدات تطورات الأوضاع وما يجري على أرض الواقع من أعمال حرب ضد المدنيين الأبرياء»، بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية «سبأ». وأفادت «سبأ» ب «تطرُّق اللقاء إلى الوضع الإنساني والحاجة الملحَّة لتفعيل أعمال الإغاثة الإنسانية وتقديم المساعدات العاجلة للجرحى والنازحين».