تعد الأغنية الشعبية جزءًا من الفلكلور الشعبي المعبِّر عن ثقافة مجتمع ما تناقلها عبر مسافات الزمن، ولحنًا قريبًا إلى أعماق الناس لسرعة انتشارها وبساطة تعبيراتها وخفة إيقاعاتها. وقد حاول الشاعر أحمد قران في قصيدته «أحجية الصمت» استثمار هذه اللهجة المحكية بكثافتها الشعورية وطاقاتها التأثيرية ودلالاتها المركزة وجاذبيتها الإيقاعية لإشعاع ظلالات ممتدة داخل نسيج نصه الشعري حينما صادفت صدى في نفسه بتناغماتها المعبِّرة عما يجول في خاطره بما تحمل من عمق المغزى وكثافة المعنى لكونها تشكل جسرًا تواصليا مهمًّا مع المتلقي، وللمعاينة نقرأ إحدى لوحاته الإبداعية : كنا نخط على كتاب الوجد، أجوبة القرى، ونحدّ من سؤال المدائن، كنا نسافر في الحكاية، رهن أحجية ومعنى، كنا نرد على الصدى، كي نرسم الذكرى، و…،» « الأماكن اللي مررت أنت فيها، عايشة بروحي وأبيها، بس لمن مالقيتك، جيت قبل العطر يبرد، قبل حتى يذوب في صمت الكلام، واحتريتك،» ،»كنا على البعدين، مثل الظل ننأى في السراب، وليس نأفل، في الحب رغم الحب، يبدو الصمت أجمل». إن اتكاء أحمد قران على «الأماكن كلها مشتاقة لك» بإيقاعها القوي والتي غنّاها محمد عبده وتركت صدى واسعًا في أغلب الأقطار، يعد تناصّا مع أغنية شعبية عالقة في الذاكرة الجمعية، مما أضفى على نصّه بعدًا جماليًا ودلاليًّا لوعيه التام بتسلّل كلمات هذا الأسلوب المحكي إلى أعماق المتلقي، وبالتالي فإن انصهار هذه المكونات في مجمل تركيبة نسيجه النصي جاء تعبيرًا عن حالة صمت حائر يستذكر الشاعر من خلالها الماضي باعتبار أن عطر الأماكن ينعش ذاكرة الحنين كونه أقوى وأكثر عاطفية وتفصيلاً من غيره ، «كنا نخط على كتاب الوجد، كنا نسافر في الحكاية، كنا نرد على الصدى كي نرسم الذكرى أماكن، كنا على البعدين مثل الظل ننأى في السراب وليس نأفل»،. إذ إن هذا التطعيم الفلكلوري لنصه يحمل في طياته بعدًا إيحائياً ينسجم مع الموقف النفسي الذي يعيشه الشاعر.