أطلق مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث مبادرة استراتيجية لمجابهة الأمراض بطرق وأساليب متطورة تتمثل في برنامج «الطب الشخصي» الذي لا يتوافر سوى في عدد قليل من المراكز الطبية المتميزة عالمياً. أعلن ذلك المشرف العام التنفيذي للمؤسسة العامة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الدكتور قاسم القصبي خلال افتتاحه ظهر أمس الثلاثاء فعاليات مؤتمر الطب الشخصي في المستشفى بحضور صاحب السمو الأمير تركي بن سعود رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وعدد من الخبراء العالميين المتخصصين في هذا المجال، مبيناً أن المستشفى يمتلك فريقاً من الباحثين في الأمراض الوراثية من علماء وأطباء وفنيين تمكنوا من تقديم خدمة فريدة من نوعها تتمثل في منع توريث بعض الأمراض من الوالدين للأبناء، باستخدام تقنية التشخيص الجيني للأمراض الوراثية في الجنين قبل الانغراس (PGD)، وذلك بعد أن تمكن الباحثون من تحديد الجين المتسبب في 350 مرضاً وراثياً، وهو ما أثمر عن إنجاب 237 طفلاً سليماً بواسطة هذه التقنية لعائلات مصابة بأمراض وراثية، مشيراً إلى أن المستشفى التخصصي يُعد أحد المراكز الرائدة عالمياً في هذه التقنية، لافتاً إلى أنه قد جرى استخدام ذات التقنية في الوقاية من أمراض سرطان القولون الوراثية، حيث تمت ولادة طفل سليم من مرض السليلات العائلي , لإحدى هذه العائلات. وأوضح الدكتور القصبي أن برنامج الطب الشخصي يتميز بدرجة عالية من التعقيد ويستخدم تقنيات متقدمة، ويتطلب مشاركة عشرات المتخصصين في مجالات طبية وعلمية مختلفة، وتوحيد جهودهم وقدراتهم لتقديم خدمة طبية متقدمة لمريض واحد، ليتمكنوا من التشخيص الدقيق المبني على المكونات الوراثية، ولتطوير خطة علاجية خاصة به. ولفت إلى أن علماء مركز الأبحاث وأطباء المستشفى تمكنوا من تطوير 13 شريحة إلكترونية بيولوجية تحتوي على آلاف من المورِّثات المرتبطة بأمراض مختلفة، واستطاعوا بذلك الحصول على تشخيص دقيق في مدة زمنية قصيرة، وهي سابقة عالمية ينفرد بها «التخصصي» من خلال الشراكة مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ووثقت في أوراق علمية منشورة بالدوريات الطبية المرموقة. وأشار الدكتور القصبي إلى أن معدل الاقتباس من الأوراق البحثية الخاصة «بمركز أبحاث التخصصي» هو الأعلى وطنياً ومتميز عالمياً، مما يثبت جودة وتميز هذه البحوث وأهمية مخرجاتها، لافتاً إلى تمكن فرق بحثية في «التخصصي» من التعرُّف على ما يقارب 100 من المورثات المسببة لأمراض مختلفة، والتي تكتشف لأول مرة، بالإضافة إلى اكتشاف الآلاف من الاعتلالات التسلسلية الوراثية المسببة للأمراض، وقد أتاح ذلك للأطباء المعالجين إمكانية تشخيص ومتابعة حالات مئات المرضى التي كانت تشكِّل تحدياً طبياً. وأضاف أن أطباء المستشفى يعكفون حالياً على إعداد تقريرهم عن أهمية هذه التقنيات المبتكرة للارتقاء بالخدمات الطبية التخصصية، مقدماً الدكتور القصبي شكره لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية على شراكتها الفاعلة ودعمها السخي لعدد من البرامج البحثية مع «المستشفى التخصصي» التي سيكون لها مردود إيجابي في تحسين الخدمات الطبية التخصصية، معبراً عن تقديره للعلماء والأطباء الذين عملوا بجد وإخلاص لتحقيق هذا الإنجاز. من جانبه قال صاحب السمو الأمير تركي بن سعود رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إن الطب الشخصي أصبح من المجالات الطبية والبحثية التي تحظى باهتمام كبير من الجهات المختصة كوسيلة لرفع مستوى الرعاية الطبية، وجاء «مشروع الجينوم السعودي» الذي أعلن عنه العام الماضي بتمويل وإشراف من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كمرحلة بحثية أساسية في مجال الطب الشخصي يشارك فيها عدد من مراكز البحوث والجامعات والمستشفيات في مناطق المملكة المختلفة. وبيَّن أن الهدف الأساسي من هذا المشروع هو توفير خارطة وراثية جينية للمجتمع السعودي من خلال معلومات حيوية من مائة ألف عيِّنة، مما يشكِّل قاعدة معلومات ثرية تعود بالفائدة على الباحثين والعاملين في المجال الصحي وفي المجالات العلمية ذات العلاقة. كما أنه يساهم إلى حد كبير في توعية أفراد المجتمع ومساعدة منظومة الرعاية الصحية على اتخاذ القرارات المناسبة فيما يخص تطوير مجالات التشخيص الوراثي، والكشف الطبي قبل الزواج والمسح الطبي لحديثي الولادة. وكشف الأمير تركي بن سعود أن المشروع توصل إلى توصيف 20 ألف عيِّنة منذ انطلاقته، وتم توثيقها في نشرات بحثية مختلفة في مجلات علمية محكمة. كما أنه تم إنجاز مشروع «المسح الوراثي للمجتمع السعودي، المندوليوم السعودي» وهو إحدى ثمرات المشروع بالتعاون مع الفريق البحثي في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث – الشريك الرئيس في هذا المشروع – والذي تم من خلاله توصيف وتوثيق الموروثات المسببة لأمراض وراثية مختلفة في أكثر من أربعة آلاف عيِّنة، مما سيعود بالأثر الإيجابي في التعامل مع هذه الأمراض الوراثية تشخيصياً ووقائياً، مشدداً على أن هذا نموذج ناجح للتكامل البحثي ومثال للنتائج البحثية التي تعود بالفائدة السريعة على منظومة الرعاية الصحية في المملكة.