في ختام الجزء الأول من المقال تحدثنا حول بلورة نهج استراتيجي طويل الأمد، لتحقيق صورة مستقبلية مرجوة لخدمات المتقاعدين في مجتمعنا، في ظل تدني وبطء نمو الوعي المجتمعي بمفهوم التقاعد وحياته وخدمات المتقاعدين، وإذا كنا نستطيع استصدار قرارات ملزمة من مجلس الوزراء في مجال الارتقاء بخدمات المتقاعدين، وتحدثت في المقال السابق حول استغراب بعض القائمين على مبادرات خدمات المتقاعدين من الطرح المتقدم، ولعل الاستغراب يعود لاعتقاد بعضهم وافتراضهم عدم مواءمة القيادة على أساس الرؤية لواقع العمل الحالي في مؤسسات المجتمع المدني في بلادنا، وأظن السبب – في منظورهم – كونها لم تزل في المراحل الأولى والمبكرة على – مايشار إليه – بمنحنى النمو أو دورة النضج، وهذه الفرضية جديرة بمزيد من التأمل والنظر، فهي ليست صحيحة على إطلاقها كما يظنون. إن الغريب في الأمر أن لدى بعض الأفاضل من مؤيدي هذه الفرضية سجلا حافلا وغنيا من الخبرات الإدارية والقيادية في منشآت وشركات كبرى، وكانوا قبل تقاعدهم ممارسين ومشاركين نشطين في نمط القيادة بالرؤية خلال شبابهم وسنين عملهم في المجال الخاص والحكومي. ما الذي حصل؟ ولم يفترض بعضهم عدم مواءمة القيادة بالرؤية المستقبلية لعملهم التأسيسي في مجال الارتقاء بخدمات المتقاعدين في بلادنا؟ هل لتقدم بعضهم في السن وتقاعدهم عن العمل أثر على مستوى آمالهم و تطلعاتهم المستقبلية؟ ألا يرون ضرورة العمل الاستراتيجي على أساس الرؤية في سياق عمل مؤسسات المجتمع المدني عموما، ومجالا جديدا ورائدا مثل خدمات المتقاعدين خصوصا؟ وليسمحوا لي مشكورين بسؤالهم: يا سادتنا المؤسسين، لمن تتركون العمل على البعد الاستراتيجي في مجال الارتقاء بخدمات المتقاعدين؟ ولم لا تضعون بأيديكم المباركة نواته، وتبذروا بذره مبكرا ليجنيه من يليكم، وليشكروا جهدكم الذي لا ينكر ليس في مجال التأسيس فقط، بل في مجال مهم جدا هو البناء المبكر لهيكل العمل الاستراتيجي ووضع البذور على مساره. هيا يا أحبتي نتحرر من بعض فرضياتنا المخذلة والمقعدة، ولننظر حولنا، ونفيد خصوصا من تجارب تلك الدول التي تتسم بنضج مؤسسات المجتمع المدني، ولنتعلم من هذه التجارب كيف أفادت مؤسسات المجتمع المدني في مجال خدمة المتقاعدين من القيادة، على أساس الرؤية والعمل المبكر على البعد والهيكل الاستراتيجي، وهل نجحت مساعيهم؟ وكيف نتعلم من تجربتهم؟ ما الجزء الذي يمكننا الإفادة منه مباشرة؟ وماهي الأجزاء التي تحتاج إلى قولبة جديدة؟ وحتى لوفرضنا جدلا عدم وجود نظائر لما تخيلناه آنفا، فهل بمقدورنا أن نصبح روادا في مجال الارتقاء بخدمات المتقاعدين ليتعلم الآخرون منا؟ في الختام نذكر بما اقترحنا في بحث سابق، وما نرى أنه من أفضل الطرق لمنهجة واستدامة الإفادة من الخبرات العالمية في مجال الارتقاء بخدمات المتقاعدين: إنشاء المركز السعودي العالمي لأبحاث خدمات المتقاعدين، والله أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد، خاتم رسله، والشافع المشفع في المحشر، أكرمنا الله باتباع سنته ونيل شفاعته، وورود حوضه، وجواره وصحبته، آمين.