رغم أن السياسة لعبة ذكية، يعرف رموزها أصحاب الديبلوماسية الرفيعة، والخبرة، إلا أن دولة مثل إيران مارست غباءً سياسياً لا مثيل له في تاريخ الدول، والحكومات، والشعوب، وسيظل هذا الغباء حكاية، ورواية، تحكى من جيل إلى جيل، بل إن هذا الغباء العجيب من إيران جعلها كأسطورة تاريخية من «السفه» و»العته»، مرتبطة بأجنداتها، وأهدافها التي خلطت فيها غباء الخطة مع تخلُّف الهدف، ومزجت فيها رداءة النيات مع خبث النتيجة. منذ عقود طويلة والبيت الإيراني بيت مفكَّك، فرئيس يترك سدة الحكم ليمارس الخيانة ضد خليفته في دولة تُبرز اسمها بأنها الجمهورية الإسلامية، بينما لا مكان فيها للأخلاق، ولا موضع فيها للقيم، ولا منطق فيها للولاء، فالكل في المنظومة السياسية في إيران يقدمون الولاء لفقيه إيران، ويظهرون الانتماء إلى الثورة الخمينية، لكنهم لا يقدمون ولاءهم للدولة، أو الوطن، لذلك لا تزال إيران منذ عقود طويلة دولة في قبضة ثورة بائسة أزلية. في إيران وحدها تبرز الفتن كمَعْلَمٍ داخلي، يحاول صنَّاع السياسة الإيرانية أن يغطوه ببرنامج السلاح النووي. ومَنْ يسمع خطابات وزرائهم، أو ممثليهم في المحافل، يحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى. إيران لم تستفد من التاريخ، ولم يقرأ ساستها وقائعه بشكل واعٍ، واستيعابي، ولم يتفهموا كيف انتهى الفرس، وكيف غُلبوا، واندحروا في زمن سابق، في وقت كانوا فيه أكثر قوة، وسطوة، ولكنهم رأوا التاريخ من منظار واحد وهو الطائفية، وأصروا، واستكبروا استكباراً، على أن الفرس هم العظماء، ولم يعلموا أن الإسلام، وشرعه القويم لا يعترفان إلا بأمان الشعوب، وأن زمن انتهاك الأنظمة والقوانين بات جزءاً من الماضي، وورقة محروقة في تاريخهم المنسي، لذلك ظلوا يدورون وسط أرض محروقة باسم الطائفية تارة، وباسم الثورة تارة أخرى. منذ سنوات طويلة حاولت إيران فرض خطابها الطائفي، وزرعت في الدول التي توجد فيها طوائف فتنة من نوع خاص، ودعمت الفتنة، وآزرت خيانة الشرعية، وفوَّضت جماعات مسلحة بقتل الآمنين، وترويع الأبرياء، وكأنها تمارس حنقاً أزلياً ضد الشعوب العربية، رسمه الموقف الإيراني الهزيل في خارطة الدول. إيران، وهي بهذا المشهد، عليها أن تكثر النظر حولها إلى كل الجهات، فقد أساءت إلى جيرانها، وتعمَّدت مواصلة «التغابي» في فهم التحذيرات التي وُجهت إليها من كل الأطراف، وتجاهلت النصائح التي انهالت عليها كي تعيد النظر في سياساتها، وتعاملاتها، لذا ظلت تراوح مكانها في بؤرة غباء سياسي، جعلها تسير في نفق مظلم لن تخرج منه بسهولة. إيران وزبانيتها من ميليشيات حزب أعداء الله، والحوثيين، وأرباب طوائف الفتنة في الشام، والعراق، وتركيا، وجهابذة شياطين الإنس مثل: حسن نصر الله، وعلي عبدالله صالح، و»داعش»، وكل مؤسسي الفتن الإنسانية، خسروا الرهان، وانهزموا، وخابوا، وستظل دائرة السوء تحيط بهم. في عملية عاصفة الحزم، التي انطلقت لتجهض الفوضى الحوثية، والفتنة الإيرانية، و»لوبي صالح»، ظهرت إيران مقصوصة الجناحين، وحاولت أن تلم أوراقها المبعثرة، كما حاولت عبثاً التماسك في ظل الصدمة، لكن قواها انهارت، ووجدت إعصاراً دولياً يحيط بها من كل جانب، فحاولت الاستجداء ببقايا اتصالات مع الاتحاد الأوروبي، الذي وجه إليها سهام الانتقاد بأنها تدعم الفوضى، وتؤجج الفتن، وتخترق القوانين، وتنتهك السيادات، ما جعل طهران تشتعل، وتحترق من الداخل، وترى وهي تنظر في كل اتجاهات العالم أن الأفق يضيق عليها، ولا مرد لقضاء الله عليها، وانحسارها، واندحارها. إيران تعرضت لصفعات عدة طوال تاريخها الأسود المتلون بالمصالح، ومارست غباءها السياسي قروناً طويلة، وبدلاً من التخلص منه، أي الغباء السياسي، باتت تربي أجيال الفتنة عليه، فخرجت أجيال غبية في الأصل، «متغابية» في المضمون، مستغبية في الهدف. إيران الآن عرفت النتائج المخيبة، وتشربت كؤوس الفتنة بسموم مضاعفة، لكونها بؤرة الخراب، ومنطلق الفتنة، وعليها أن تعيد النظر في حساباتها، وأجنداتها، وملفاتها السياسية علَّها تجد يداً صالحة تمتد إلى يدها المشلولة المعطوبة، فتجد ذرات أمل تقيها شر سوءات إضافية، ومستقبل أسود، ستظل تدفع ثمنه عقوداً طويلة.