لا يفتأ تذكّر فن كتابة الشذرة عند معظم القرّاء حتى تطرأ ثلاثة أسماء في المقدمة: نيتشة، إميل سيوران، الهايكو الياباني. رغم أن هذا الفن من الكتابة متنوّع، ومنتشر عالمياً بأشكال، وخواص مختلفة لا تتقيد بالشعر، أو الفلسفة، ولا تنحصر بأسماء معدودة. ما يعاب على كثير من القرّاء، عند إصدار أي كاتب عربي حديث كتاباً تشكيلته الأساسية تقوم على الكتابة الشذرية، البدء بمقارنة الكاتب، والنص إذ ما وصل، أو تشبّه بنصوص سيوران، أو نيتشة، وهنا تقع المصيبة الكبرى في ظلم النص، وكاتبه. فالمقارنات الأدبية بحد ذاتها مفارقة غير عادلة، وتدحض جوهر النص الأدبي. فالنص الأدبي قائم بذاته، يجب التعاطى معه بما يكوّنه من عناصر التركيب اللغوي، والمدلول الفكري، والمخيّلة، إضافة إلى عامل الإبداع عند الكاتب في توليف كل هذه العناصر. سأستعرض ثلاث تجارب عربية تستحق الإشادة، والوقوف عليها: ميخائيل نعيمة، بول شاوول، وأنسي الحاج. هؤلاء اللبنانيون الثلاثة أعطوا الشذرة عربياً مساحة شاسعة، فكتاب «كرم على درب» لميخائيل نعيمة، تميّزه شاعرية اللغة في طرح الحكمة، وتعيين الدوال، ومدلولاتها، وبول شاوول في «وجه يسقط ولا يصل» أعطى القصيدة / الومضة، كثافة عالية، ونهاية صامتة حتى استحقت تسميتها بقصيدة البياض، بينما خواتم أنسي الحاج، الغائرة في اقتحام اللغة شعرياً، وفكرياً، فتستبق الوصول إلى اللا متحدث، واللا منطوق. ربّما، علينا التوقف طويلاً لإعطاء كثير من التجارب قراءة جديدة، برؤى مختلفة عن سابقتها.