تسارعتْ أحداثُ اليمن، فتعالتْ الأصواتُ اليمنيَّة المطالبةُ بتدخُّلٍ عسكريٍّ، يوقف التمدُّدَ الحوثيَّ، ويحفظ الشرعيَّة، إذْ واصل الحوثيُّون تقدُّمَهم نحو عدن، فسيطروا على مطارها بدعمٍ من اللواء المدرَّع 39 الموالي للرئيس المخلوع، المتحالف معهم، تقدَّموا بعد احتلالهم صنعاء نحو المدينة، التي اختارها الرئيسُ الشرعيُّ عبدربه منصور هادي عاصمةً مؤقَّتةً لليمن، فحاولوا السيطرة على قاعدة العند الجويَّة على بُعد 60 كم منها. وإزاء التطوُّرات الأخيرة، دُعيَ الحوثيُّون مراراً إلى الكفِّ عن زعزعة استقرار اليمن، وإلى التعاون مع العمليَّة السياسيَّة، التي تقودها الأمم المتَّحدة، وتصاعدتْ المطالباتُ اليمنيَّة الحكوميَّة، والشعبيَّة بتدخُّلٍ عربيٍّ عسكريٍّ، وسياسيٍّ، يُنهي انقلاب الحوثيِّين على الشرعيَّة اليمنيَّة، وعلى المبادرة الخليجيَّة، محذِّرةً من تداعياتٍ خطيرةٍ تواجه استقرار اليمن، وتتيح للنفوذ الإيرانيِّ التمدُّدَ فيه، ويؤكِّدُ المحلِّلون السياسيُّون أنَّ أمنَ دول الخليج من أمن اليمن، وأنَّ عليها التَّحرُّك سريعاً للتدخُّل فيه وفقاً لاتفاقيَّة الدفاع العربيِّ المشترك، وحذَّروا من تهديدات الحوثيِّين لأمن المنطقة كلها، فاليمنيُّون لا يواجهون الحوثيِّين وحدهم، بل ويواجهون معهم إمكانات الدولة بخيانة الرئيس المخلوع، ومن ورائهم مساندة إيران لهم، لينفِّذوا أجندتها المشبوهة لزعزعة اليمن، ونبَّهوا إلى خطورة سقوطه في القبضة الإيرانيَّة. وبالعودة إلى الأحداث ما قبل الأخيرة، فقد استولى الحوثيُّون في 21 سبتمبر 2014م على مقرِّ الحكومة في صنعاء، وعلى مواقع عسكريَّة فيها بدعمٍ واضحٍ من أجهزة الدولة، وقوَّاتها الموالية للرئيس المخلوع، وفي 14 أكتوبر استولوا على مرفأ الحديدة، متقدِّمين نحو الوسط دون مقاومة من القوَّات الحكوميَّة، وفي 20 يناير استولى الحوثيُّون على القصر الرئاسيِّ، وحاصروا الرئيسَ الشرعيَّ المنتخب عام 2012م، ورئيسَ حكومته، ووزراءه، وفي 6 فبراير حلُّوا البرلمان، وشكَّلوا مجلساً رئاسيَّاً، منقلبين على الدستور، والشرعيَّة، وفي 21 فبراير اتَّخذ الرئيس الشرعيُّ عدن عاصمةً مؤقَّتة لليمن، وفي 22 مارس تقدَّموا إلى تعزّ في طريقهم إلى عدن، ودعا زعيمهم إلى تعبئة عامَّة، مبرِّراً زحف ميليشياته جنوباً لقتال القاعدة، و «داعش» عقب استهداف مساجد شيعيَّة في صنعاء في 20 مارس، والذي ربَّما دُبِّرَ منهم بهدف تبرير الزحف جنوباً. وإزاء ذلك، ولاستخفاف الحوثيِّين بالمبادرة الخليجيَّة، وبدعوات التفاوض تحت مظلَّة مجلس التعاون في الرياض، وبقرارات الأمم المتَّحدة، وجامعة الدول العربيَّة، ولتهديد أمن المملكة بمناورة عسكريَّة قرب حدودها، وبعد عدَّة تحذيرات للحوثيِّين، وحلفائهم، أعلنتْ 5 دول خليجيَّة هي المملكة العربيَّة السعوديَّة، والإمارات العربيَّة المتَّحدة، ومملكة البحرين، ودولة قطر، ودولة الكويت، استجابتها لطلب الرئيس الشرعيِّ لليمن في 23 مارس بالتدخُّل عسكريّاً لحماية الشعب اليمنيِّ من الانقلاب الحوثيِّ، مستندةً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتَّحدة، وإلى ميثاق جامعة الدول العربيَّة، ومعاهدة الدفاع العربيِّ المشترك، فصدر فجرَ الخميس 26 مارس بيانٌ من الدول الخليجيَّة، أشار إلى الألم الكبير، والقلق المتنامي من تطوُّرات أحداث اليمن المزعزعةِ أمنَه، واستقراره جراء انقلاب الحوثيِّين على الشرعيَّة، والمشكِّل تهديداً لأمن المنطقة، واستقرارها، وللسلم، والأمن الدوليِّ، ولإخفاق جهودها للوقوف مع الشعب اليمني في محاولاته استرجاع أمنه، واستقراره من خلال البناء على العمليَّة السياسيَّة، التي أطلقتها المبادرة الخليجيَّة، وآليَّتها التنفيذيَّة، ولحماية المنطقة من تداعيات الانقلاب الحوثيِّ، فما تنفذه الميليشياتُ الحوثيَّة المدعومة من قوى داخليَّة باعت ضميرها، ولم تعد تكترث إلا بمصالحها الذاتيَّة، ومن قوى إقليميَّة لبسط هيمنتها على اليمن، وجعله قاعدة لنفوذها في المنطقة؛ ممَّا لم يعد معه التهديدُ مقتصراً على اليمن، بل أصبح تهديداً للمنطقة، وللأمن، والسلم الدولي بمحاولتهم الاستيلاء على مضيق باب المندب، وحيث طالتْ الاعتداءاتُ أراضي المملكة العربيَّة السعوديَّة لتواجهَ تهديداً لأمنها، واستقرارها بوجود الأسلحة الثقيلة الخارجة عن سيطرة السلطة الشرعيَّة، وإزاء ذلك، ولعدم استجابة الحوثيِّين لتحذيرات مجلس التعاون، ومجلس الأمن، وانتهاكاتهم المتواصلة للقانون الدوليِّ، واستمرار حشودهم المسلَّحة على حدود المملكة، وقيامهم مؤخَّراً بمناورات عسكريَّة كبيرة بالذخيرة الحيَّة قرب حدودها، فقد قرَّرت دول الخليج الاستجابة لطلب الرئيس الشرعيِّ لليمن لحماية اليمن، وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثيَّة باعتبارها أداةً لقوى خارجيَّة لا تكفُّ عن العبث بأمن الدول العربيَّة، واستقرارها. إزاء ذلك كلِّه فقد انطلقت عاصفة الحزم بقيادة سعوديَّة لخمس دول خليجيَّة، وخمس دول عربيَّة، وإسلاميَّة هي مصر، والأردن، والسودان، والمغرب، وباكستان، واضعةً قوَّاتها الجويَّة، والبحريَّة، والبريَّة رهن هذا التحالف لحماية الشرعيَّة في اليمن، ولتخليصه من النفوذ الإيرانيِّ، وأيَّدتها دول عظمى مثل أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، ودعمتها لوجستيّاً، واستخباراتيّاً، وأيَّدتها جامعةُ الدول العربيَّة، التي وجدت في عاصفة الحزم تطبيقاً عمليّاً للدفاع العربيِّ المشترك، بل واحتسبتها نواةً لقوة عربيَّة مشتركة طال انتظارها، ولم يتحفَّظ على عاصفة الحزم من الدول العربيَّة إلا العراق الواقع في النفوذ الإيرانيِّ. وأحسبُ أنَّ الحزم في عاصفة الحزم لن يتوقَّف إلا وقد أعيدتْ لليمن حكومُته الشرعيَّة، وعادتْ الأمورُ إلى نصابها لما قبل 21 سبتمبر 2014م، وعندها يمكن العودة إلى التفاوض ليكون الحلُّ سياسيَّاً، وكفى بعاصفة الحزم أنَّها جعلتْ دولَ الخليج العربيَّة تثق بقدراتها العسكريَّة، وبشعوبها في حمايتها، وأنَّها ستلتفتُ بعدها إلى استعادة الجزر الإماراتيَّة من إيران، وستطالب باستقلال الأحواز العربيَّة الخليجيَّة، وأنَّ عاصفة الحزم فضحت جيوشاً عربيَّة تدين بولاءاتها لغير أوطانها، أوصلتها لأوضاعها غير المستقرَّة؛ ممَّا جعلها لقمة سائغة للنفوذ الساسانيِّ، وأرى أنَّ خروج الرئيس الشرعيِّ من عدن بحماية سعوديَّة، ومروره على الرياض متَّجهاً للمشاركة في القمَّة العربيَّة في القاهرة، رسالة حزم لإيران، وأحسب أنَّ على بلادنا التنبُّه بحزمٍ للمتسلِّلين إليها، والوافدين نظاميَّاً من اليمنيين، الذين يديرون تجاراتٍ تفوق قدراتهم الماديَّة، مدعومين ماليَّاً من إيران، ومدسوسين كجزءٍ من مخطَّطاتها لبسط نفوذها في دول الخليج.