هو أشبه بالرسائل والمقامات القديمة، للمؤلف والكاتب العماني عبدالله البلوشي الذي يفترض فيها لقاء يدور بين الشاعر أبو العلاء المعري (973 – 1057م) وشخصية أخرى مفترضة هو (راوي) الكتاب. وبأسلوبه السردي الجميل، ينحت البلوشي تفاصيل هذا اللقاء المفترض، ليبين من خلاله رؤيته وفلسفته في الحياة، متخذاً من المعري قناعاً ليقول كل شيء حول العزلة والصمت، حول الحياة والقدر، حول الوجود والماهية، في سرد يراوح بين الشعرية تارة، والتأمل الفلسفي تارة، يربط بينهما خط رفيع من السرد الذي يدقّق في التفاصيل، ويرسم مشهده بعناية العين البصيرة. الكتاب مقسم إلى مجموعة فصول من بينها حكايات (الشجرة، الماء، المعبد، الجسد، الحمائم الأربع، الناي والكون المرئي) مغزولة جميعها في خيط جدلية الموت والحياة الذي يغلّف أغلب كتابات البلوشي، التي تمظهرت في كتابه السابق الصادر عن نفس دار النشر، الذي كان عبارة عن سيرة طفولته (حياة أقصر من عمر وردة 2014م). وإضافة لهذين الكتابين، فللشاعر 5 مجموعات شعرية سابقة هي (برزخ العزلة 1994م، فصول الأبدية 1996م، معبر الدمع 2008م، أول الفجر 2011م، المصطلم 2013م). يمكن اعتبار المجموعة التي يصدرها المؤلف في طبعة جديدة، عن دار مسعى مناجاة بين الشاعر وقدره، إذ تتجلى فيها روح عالية الصوفية، شديدة التعلق بالكائنات والطبيعة، تشرف بشفافية روحية على ما وراء التلاشي والفناء، وباستخدامه مفردات ذات وقع ملحمي تكاد تسمع وأنت تقرأ صدى الصوت السماوي الذي طالما تردد في الغابات والكهوف والجبال. وقد تصدر غلاف الطبعة الجديدة لوحة للفنان البحريني جمال عبدالرحيم. هي نصوص متفردة في قدرتها على منح القارئ عالماً من العزلة والتأمل في الخلق والتكوّن والفناء والتلاشي. من بين النصوص يقول سماء: (وأنت ترحل وحيداً، الليل يدرك: ستطرق بابي أيها الغريب. سأفتح لك وللمياه وهي تجرفك كطفلٍ ميت. متى عدت وحيداً وبكيت. وكان نواحٌ هادئ يتسلل من الحقل إلى القبر كل شيء كان يقترب من الموت). يحاول هذا الكتاب في البداية تقديم نبذة عن المدرسة الفكرية السائدة في السعودية؛ جذورها وتحولاتها، ثم يُلحقها بأخرى عن التحولات (الجيو) سياسية في الحقبة الأولى من تاريخ السعودية وواقع التعليم العالي خلالها، ثم يستعرض بعض نقاط التحول الرئيسة التي قادت إلى تغيرات سياسية واجتماعية وتأثير ذلك على بيئة ونظم التعليم العالي، ثم يقرأ التأثيرات الأيديولوجية في التعليم العالي، ويُحلِّل علاقة مؤسسات التعليم العالي بالدولة، ويحاول أخيراً استقراء التحولات المستقبلية. الكتاب لا ينكر أهمية البحث العلمي والدراسات الدينية، ولا ينكر أحقية الآخرين في اتباع المدرسة الدينية التي تناسبهم. وإنما يهدف إلى تقديم قراءة لواقع حدث فيه اختراق لبنيات التعليم العالي ومناهجه ونظمه من قِبل المدرسة الأيديولوجية الواحدة بشكل أسهم في تدنِّي معايير العدالة والحرية الفكرية وقبول الآخر والنضج الإداري والتميز الأكاديمي، وغير ذلك من مميزات التعليم الجامعي المتطور . بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأحداث التفجيرات في داخل السعودية أصبح السعوديون تحت الأنظار، وهذا ما دفع بعض التحولات المتسارعة إلى الظهور، وتغيرت خطابات عدة من داخل الخطاب الديني من حالة الانغلاق إلى حال الانفتاح، وعاد صوت الانفتاح من جديد وطرح عديد من الكتاب نقداً حاداً لعديد من الأمور. هذه التحولات دفعت الدولة إلى تبني خطاب الإصلاح، وتعزيز قيم التسامح والوطنية أكثر من ذي قبل. وهذا الكتاب يحاول أن يطرح الأسئلة الفكرية أكثر من كونه طرحاً للإجابات في الواقع الفكري السعودي، وهو في الأصل مجموعة من المقالات والبحوث كتبت على مدار سنوات. إنه كتاب يبحث في الإشكاليات التي مرت على مجتمعنا السعودي ويقرأ التحولات الفكرية من منظور نقدي، لأنه برأي الكاتب لا يزال المجتمع في مرحلة من مراحل النمو، مما يجعل تلك الإشكاليات المبثوثة هنا من النوع الذي يحتاج إلى تأصيل، كونها تدور في الإطار الجدلي أكثر منها في الإطار التحليلي أو النقدي، ولذلك فهو هنا يحاول تقديم بعض الآراء لعلها تفضي إلى ما يمكن أن يحرك الراكد الفكري العام دون ادعاء طرح الحلول أو الإجابات النهائية.