الطبع الهادئ هو ما يتحلى به سعد البازعي. مهما تطلب منه وتثقله يرق ويهفو إليك. تطرح بعض الأسئلة ويدللك بإجاباته. البازعي أستاذ الأدب المقارن. لكنه الناقد الأدبي.. وأحد الأسماء القوية الحضور في المجال الثقافي عملاً وإنتاجاً بخلاف عمله في التعليم العالي وإشرافه على أطروحات. إذن هو المثقف أولاً ودائماً. هناك مشاركات وأوراق في ندوات. ومحاضرات عن هموم ثقافية. عن الشعر والسرد. عن الهوية والعناصر الاجتماعية والإيديولوجية. من جيل وقف ينظر تحولات تاريخية وسياسية. وقف على مفترق الطرق ودَّع مع القرن الماضي طفولة ومراهقة وشباباً ويعيش القرن القادم بالخبرة والنقد والذوق العالي في الأدب والفن. يحدثنا عن مشاريعه الجديدة: الاختلاف الثقافي وثقاة الاختلاف (المركز الثقافي العربي) هذا العام شارك به في المعرض. يرأس النادي الأدبي ودورية حقول. أعمال لا تنتهي. دراسات ومقالات. وجهود لا تضيع سدى، سيبقى اسم يدوي في المشهد الثقافي العربي لا المحلي. وهذا حوارنا. @ بعد اهتمام بالنقد وإنجاز أكثر من كتاب عن التجربة الأدبية، خاصة عن الشعر السعودي أولها: ثقافة الصحراء(1991)، وإحالات القصيدة (1998)، وأبواب القصيدة (2004) وصولاً إلى كتاب تعده "جدل التجديد: نصف قرن من الشعر السعودي" كيف ترى إلى تجربة الشعر وتطورات حياة الإنسان في هذه المنطقة؟ - يبدو المشهد الشعري في المملكة مليئاً بالكثير من محفزات التغيير التي تدفعه من مرحلة إلى أخرى ولكن ضمن شروط تاريخية واجتماعية وجمالية في الوقت نفسه. وحين أقول التغيير فلست بطبيعة الحال أتحدث عن "تقدم" أو "تطور" بمعنى الانتقال الأفقي المنسجم مع التوقعات المتعارف عليها، أي بمعنى أن الانتقال لا يعني بالضرورة إنجاز ما يفوق المرحلة السابقة. وفي تقديري أن ذلك يعكس حركة التغير الاجتماعي والتاريخي إلى حد كبير، فالمشهد الأدبي جزء أساس من المشهد الثقافي بمعناه العام، وهو مشهد متجذر في التربة الاجتماعية ومتصل حتماً بالمتغيرات السياسية والاقتصادية التي تحمل الكثير من الإنجاز الذي لا يخلو من الانتكاس أحياناً. @ يتناول الكتاب تجربة الشعر السعودي على مدى نصف قرن، وما كان العنوان إلا ليكشف لنا عن نظرية وراء حركية الإبداع الشعري، فهل توضحها لنا؟ - في كتاب "جدلية التجديد" تبينت حركة من التغيير هي أقرب إلى التغير الجدلي، أي التغير القائم على متضادات: اتجاه تقليدي يفضي إلى اتجاه متحرر، ثم عودة إلى التقليد تتبعه حركة تحرر أخرى ولكن من نوع مختلف. ويعني هذا أن الجدلية المقصودة ليست جدلية بالمعنى الذي قصده الفيلسوف الألماني هيغل، صاحب نظرية الجدلية التاريخية، لكنه يقترب منها، والاختلاف يكمن في أن الجدلية التي أشير إليها ليست جدلية تطورية أو تقدمية تفضي إلى الأرقى أو الأفضل، ولكنها جدلية تتضمن التراجع حيناً والمضي إلى الأمام حيناً آخر. @ كيف ترى تجربة قصيدة التفعيلة ومواضيعها ومستواها. كذلك قصيدة النثر من خلال المشهد الثقافي السعودي وما الذي حققته التجربتين؟ - الموهبة الإبداعية قادرة على التعامل مع كل الأشكال وتوظيفها على النحو الذي تراه مناسباً، لكن هذا لا يعني أن تلك الموهبة لا تواجه صعوبات خاصة حين تتعامل مع أشكال شعرية أو غير شعرية مثقلة بالمستهلك والنمطي، فالصعوبة عندئذٍ ستكون أكبر، وهو في تقديري ما يحدث حين يحاول أحدهم اليوم أن يبتكر من خلال القصيدة التناظرية أو التفعيلية، فكلا الشكلين مثقلان بتركة طويلة من التراكيب المرهقة (بفتح الراء) جمالياً ودلالياً، الأمر الذي يعني أن الخروج إلى قصيدة النثر هو التطور الطبيعي للموهبة الشعرية. وبصفتي أحد المتابعين للمشهد الشعري المحلي أقول إنه لم يعد مجالاً للشك في أن معظم النتاج الشعري الجيد اليوم يكمن في الشكل النثري. على أن ذلك لا يعني أن الأرض مفروشة بالورود لشاعر النثر، فالاستهلاك والإرهاق يتهددان الأشكال جميعاً. هذا بالإضافة إلى المزالق الكثيرة التي تنتظر مستسهلي الكتابة النثرية. @ لك اشتغال خارج مستوى النقد الأدبي إلى الدراسات الثقافية من خلال كتاب: المكون اليهودي في الثقافة المعاصرة (2002)، استقبال الآخر (2004)، شرفات للرؤية (2005)، المكون اليهودي في الحضارة الغربية (2007)، والآن يصدر لك كتاب: "الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف"، أرجو أن تحدثنا عنه؟ - كتاب "الاختلاف الثقافي" يقدم رؤية للعلاقة بين الثقافات وأسلوباً لما أعده فهماً أفضل لطبيعة الثقافة وكيفية تشكلها، وذلك من خلال مجموعة من الأوراق والمقالات التي تتمحور حول هذه القضية. أما الأطروحة الأساسية فهي أن الوعي بالاختلاف، وليس التماثل أو التشابه، الثقافي يمثل السبيل الأمثل لدراسة الثقافات عموماً. وقد سقت على ذلك أمثلة كثيرة وأسانيد أرجو أن تكون مقنعة. @ ما النماذج المدروسة في هذا الكتاب، وكيف يمكن أن نقرأ مفهوم الاختلاف الثقافي في المجتمع السعودي والعربي عامة؟ - النماذج المدروسة في كتاب "الاختلاف الثقافي" تمتد على خارطة المشهد العالمي، أو ما أعرفه منه. ثمة نماذج من اليابان والصين كما من أوروبا والوطن العربي. فموقف الفرنسي رولان بارت في قراءة الثقافة اليابانية وموقف الياباني يوكوتا موراكامي من ثقافة كل منهما ومن ثقافة الآخر أنموذج حي ومقنع في تصوري لما أشير إليه بثقافة الاختلاف، وهو أحد النماذج البارزة في الكتاب. @ كيف ترى خطاب الاستشراق وإجراءاته المعرفية؟ - خطاب الاستشراق خطاب غربي في نهاية المطاف ويحمل ما أسماه ميشيل فوكو "رموز الثقافة" أي قيمها وحمولاتها المعرفية، لكن هذا لا يعني أنه خطاب متماثل أو مقيد تماماً بتلك الرموز. فالاستشراق خطاب ضخم وشديد التركيب، لأن الاستشراق الألماني غير الاستشراق الفرنسي، والمستشرقون ضمن البلد الواحد أو اللغة الواحدة يتفاوتون كثيراً من حامل لرؤية استعمارية إلى عاشق لثقافة الشرق إلى عالم فيلولوجي شديد البعد عن العواطف والمصالح. ما يربطهم هو صدورهم عن تشكيل حضاري متجانس إلى حد بعيد. @ برأيك، ما مستقبل أثر المكون اليهودي حاضراً في الفكر والمعرفة الغربية (فلسفة، نقد، علوم)؟ - أعتقد أنه أثر هائل حالياً، ولكن هل سيستمر كما هو الآن؟ لا أستطيع التنبؤ. كثير من المفكرين والكتاب الغربيين ذوي الانتماء اليهودي ما زالوا يصدرون عن رؤية تحمل جذوراً تلمودية أو يغلبون مصالح فئوية تؤثر في نتاجهم وتسمه بالسمات التي تحدثت عنها في كتاب "المكون اليهودي". @ كيف ترى معرض الكتاب الذي بدأت أيامه وانعكاسه ثقافياً على مدينة الرياض؟ - أراه معرضاً متوهجاً بالكتب والناس المقبلين عليها. تفرحني الجموع المتدفقة وتسعدني أسئلة الصغار والكبار عن الكتب الجادة وحتى غير الجادة التي حضرت في كل مكان. فالعلاقة بالكتاب تبدو بخير والمعرض ترمومتر مهم للمشهد الثقافي. يحزنني بالطبع أن تسحب بعض الكتب المهمة وأعتقد أنه ينبغي ترك الفرصة للقراء لكي يقولوا رأيهم بعيداً عن الوصاية.