كان إنشاء هيئة مكافحة الفساد أحد أهم إنجارات الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمة الله عليه، فقد آمن أن الفساد بشتى صوره موجود في الدوائر الحكومية ويحتاج إلى وقفة صارمة وعزم شديد للقضاء عليه، وما سيولجدة وأضرارها الكبيرة إلا ثمرة مُرّة لايزال طعمها في حلوقنا حتى اليوم! الآن وقد رحل المنشئ الأول لهذه الهيئة فإن خلَفه الملك سلمان على موعد مهم وحساس في استكمال ما بناه أخوه الكبير، ولا غرابة أن تبرُك الآمال عند باب خادم الحرمين في وضع حلول جذرية لهذا الأمر فقد عُرِف عنه الحزم والعزم في كل أمر يمسّ هيبة الوطن ويهدّد نماءه ونهضته. لم يعد الحديث كافياً للمواطن عن ضرر الفساد وخطره على المجتمع والدولة كما كانت تفعل الهيئة في كثير من بياناتها وإرشاداتها، فالمواطن على علم بذلك، بل يجب عليها أن تخطو خطوات كبيرة من شأنها أن تلجم كل فاسد يتلاعب بثروات الوطن سواء كان هذا الفاسد مسؤولاً قيادياً أو عاملا أجنبياً، ومن الجدير أن يُقال إن أهم مايقضي على الفساد هو وجود المؤسسات المدنية والجمعيات والنقابات التي تظلّ صوتاً للمطالبة الواعية بالحقوق ومحاسبة المقصرين واستجوابهم وإشراك المواطن في صناعة القرار ومحاسبة المتهاونين، ولا حاجة لنا أن نردد ونمضغ العذر القديم الذي يجعل المواطن غير جاهز للشروع في عملية البناء والنهضة، فنحن في عصر آخر، عصر يفتح العالمُ البابَ على مصراعيه أمامنا ويُرينا كيف يتم اختيار ومحاسبة المسؤولين واستجوابهم في المجالس النيابية والجمعيات الحقوقية والنقابات بطريقة متحضرة يراها طلابنا المبتعثون عياناً، ونراها في الشبكات ووسائل التواصل، ستخطو بلادنا خطوات عظيمة نحو الازدهار إذا هي لحقت بهذا الركب وأصدرت قرارات حاسمة تُشرك المواطن في انتخاب أعضاء مجلس الشورى وتوسيع صلاحيات المجلس في القرارات المهمة واستجواب الوزراء بالإضافة إلى تفعيل الجهات المدنية والحقوقية ورفع سقف الصحافة في النقد الواعي. نحن في مرحلة تُعدّ الأكثر غموضاً وارتباكاً منذ عقود، وبقدر ما يجب أن نهتم بالسياسة الخارجية فإنه يجب علينا تعزيز الجبهة الداخلية للوطن والارتفاع بمعيشة الفرد وتحسين الخدمات والقضاء على الفساد وسنّ القوانين التي تجعل الجميع تحتها، وهذا ما يلمسه المراقب ويستبشر به بعد القرارات التي صدرت بأمر الملك سلمان وفقه الله التي يرجو كل محب للوطن أن تتكلل بقرارات سيادية أخرى تقفز بنا نحو ثقافة الحقوق والمساواة وهي آتية بإذن الله تعالى.