رحيل القادة والعلماء المؤثرين، من أكبر المآسي التي تبتلى بها الأمة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ولذا كانت وفاة الرسول الأكرم – صلى الله عليه وسلم – أعظم رزية وخسارة مُنِيَت بها الأمة على الاطلاق. وفي زمن ندرة القادة الفاعلين الأفذاذ الصالحين في الأرض، نجد فارسنا المقدام: عبدالله بن عبدالعزيز؛ يترجل فجأة، ملوّحاً لنا بيديه تحية وداع وفراق للأبد، نحو الدار الآخرة وقد اختار – بإذن الله – أكرم جوار!! نعم، ارتحل عن دنيانا رجل المهمات الصعبة والمواقف الإنسانية والأخلاق السامقة.. أفل عن سمائنا الكوكب المضيء والنجم اللامع، وتوارى عن عيوننا كبرق تجلى من سحاب!! تركنا ومضى وحيداً؛ ملك قد هويناه، وأب قد شغفنا به، وعشقنا فيه طيب الكلام وحسن الخصال، ونبل الصفات ونقاء الفؤاد وملاحة النفس وبهاء الطلعة وبسمة الحياة ونزاهة اليد..!! لم نَنْسَ ولن ننسى وقفاته الإنسانية، ولمساته الحانية، ومواقفه المشرقة، وقيادته الحكيمة لدفة البلاد نحو بر الأمان في بحر لجِّي متلاطم الأمواج من الصراعات والمخاطر التي تخطفت بلاداً عدة من حولنا لمدلهمات الخطوب ودوامات الفجائع!! بينما ظلت هذه البلاد المباركة تستكمل مسيرتها على يديه، في هدوء ورويّة – بفضل الله – لتظل للأبد آمنة مطمئنة، يأتيها رزقها من كل مكان. ولئن كان قد كابد الليالي الطوال؛ لرسم البهجة والحبور وتتابع الأمن والرخاء في البلاد، واستمرار التنمية والتعليم، واستدامة الأواصر والصلات على كافة المستويات، المحلية والعالمية؛ فلقد آن له أن يحطَّ عن كاهله الأثقال، ويرتاح قرير العين وهادئ البال من عناء دنيا فانية لا تبقي ولاتذر..!! مليكنا الراحل شهد بفضله وتواضعه وقربه وإنسانيته القريب والبعيد، ولم يرحل حتى بات مضرب المثل في الآفاق في حسن السياسة وروعة التدبير، ولم يضن يومًا عن بذل جاهه وشموخه ومكانته ووقته في سبيل رفاهية البلاد والعباد، أو رفع المظالم والمحن والفجائع والكروب، أو استعادة البسمة والسرور، لاسيما عن أولئك المستضعفين في الأرض ممن أنهكتهم الحروب، وأثقلتهم الأوجاع، وأضعفتهم المظالم، من أبناء الأقليات الإسلامية في شرق الأرض وغربها. مليكنا الغالي: يا ثغر الحياة ونبض الفؤاد وابتسامة القلب الجميل، حارت فيك أشواقنا، وتزاحمت فيك عباراتنا، وتنادت إليك مشاعرنا وأحاسيسنا، فلقد مضيت عنا ولم نرتو بعدُ من فيض حبك ومن وارف عطفك، ولكن ماذا في وسعنا سوى أن نسترجع، ونرضى ونؤمن بقضاء الله وقدره. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا أبا متعب لمحزونون، ولئن كنت قد أوصيتنا بالدعاء لك، فإن مهج محبيك لم تفتر، وتضرعاتهم وابتهالاتهم لا تنقطع عن صالح الدعاء لك. رحمك الله رحمة الأبرار، وأعلى مقامك في فردوس الجنان، ورزقك مرافقة الأنبياء وصحبة الأولياء الصالحين، وبرد مضجعك بنعيم وروح وريحان ورب راض غير غضبان. إلى جنات الخلد مليكنا الغالي -بإذن الله- عزاؤنا فيك، أن خليفتك من بعدك، هو الملك سلمان، «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ»، فهو خير خلف لخير سلف، وهو من سيستكمل بنا المسير على هدى من نور، فهو جدير بإذن الله بحماية العقيدة الإسلامية والدعوة المحمدية والمكتسبات التاريخية في بلد التوحيد ومأرز الإيمان، وحري برعاية قضايا الأمة الإسلامية بشعوبها وأقلياتها، وستستمر المملكة دولة أمن وأمان وعدل وسكينة ورخاء.