ليس من عادتي أن أشاهد مقاطع الفيديو التي تعرض عبر اليوتيوب وسواه من المواقع، مما يتضمن مشاهد قتل وذبح وتعذيب، مما أصبح علامة فارقة وماركة مسجلة باسم داعش في الآونة الأخيرة. ويعود عدم فعلي ذلك لسببين هما: أنني أولاً، ولله الحمد، من «ضعاف القلوب» الذين يُحذرون عادة من مشاهدة تلك المقاطع. وثانيًا، لأن وصول تلك المقاطع المفرطة في عنفها وفي وحشيتها لأكبر عدد من الناس هو ما تريده داعش وأخواتها من الجماعات الإرهابية، وأعتبر أنني بعدم فعلي ذلك أقوم نوعًا ما بما يسعني فعله في مقاومة هذا المد البربري المتوحش، وهذا الغول الذي يهدد بابتلاعنا جميعًا. غير أن المقطع «الهوليوودي» المتقن الإعداد والإخراج للإعدام البربري الهمجي المتوحش للطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، كان استثناء لتلك القاعدة، إذ إنني حملت نفسي على مشاهدته مدركًا للعواقب النفسية السيئة المحتملة، وكان ما دفعني لذلك في الأساس هو التأكد من أن الإعدام بأبشع صورة، أي الإعدام حرقًا، قد تم بالفعل، وأنه لا وجود لشبهة تمثيل أو خدع تصويرية وحيل سينمائية، كما قيل فور اندلاع شرارة الخبر، وكما لا يزال يقال ويتردد بعد. وظفت داعش في هذا المقطع المؤلم الذي من الصعب أن يُمحى من ذاكرة من شاهده، تقنية التصوير الحديثة والإخراج الفني المتقدم والاحترافي، لإحداث أثر عميق وصادم ومروع في نفوس مشاهديه. ولا شك أنها أرادت إيصال رسائل محددة إلى أطراف بعينها، لكن الرسالة الأبرز التي تؤكد عليها جميع المقاطع التي خرجت بتوقيع داعش حتى الآن هي غرس بذور الرهبة والخوف من هذا التنظيم السرطاني المتغول، الذي بات يشكل تهديدًا حقيقيًا لا ينبغي الاستهانة به أو التقليل من شأنه لعديد من دول المنطقة، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن هنالك، للأسف الشديد، من يتعاطفون ويؤيدون ما يقترفه هؤلاء المجرمون من جرائم بيننا وفي أوساطنا. وليس من المستبعد أن تكون هناك خلايا داعشية نائمة منتشرة في أكثر من منطقة ومدينة على امتداد المملكة. وقد شهدنا جميعًا طرفًا مما يمكن لتلك الخلايا النائمة فعله حين ترفع رأسها قليلأ كما حدث في جريمة الدالوة في نهاية عام 2014م. الأمر الأكثر خطورة فيما ترتكبه داعش من الجرائم المروعة، هو أنها تقدم على ارتكاب جرائمها رابطة إياها بتعاليم الإسلام والشريعة والنصوص المقدسة التي تؤولها وتلوي أعناقها لتوافق فهمها «المريض» والمنحرف. وإن عدمت ما تتكئ عليه من النصوص المقدسة من قرآن كريم أو سنة شريفة، لجأت إلى النصوص التي تُضفي عليها مسحة من القداسة كما حدث في شريط إعدام الكساسبة. لطالما شكونا من تصوير المسلمين والعرب بصورة نمطية سلبية في السينما العالمية، وكذلك في كثير من الكتابات الروائية والدراسات الاستشراقية، غير أن ما يفعله الداعشيون الآن من جرائم باسم الإسلام تفوق وبما لا يقاس كل الصور النمطية السلبية التي تم رسمها عن الإسلام. صحيح أن الغالبية العظمى من المسلمين يبرأون من أفعالهم، ويستنكرون وينددون بجرائمهم ويتمنون الخلاص منهم اليوم قبل الغد، إلا أن من لا يعرفون شيئًا عن الإسلام، أو من تكون معرفتهم ضئيلة عنه، لن تكون الرؤية لديهم واضحة، ولن يروا على الأرجح ذلك الخط الفاصل ما بين الإسلام الصحيح والإسلام «المتوحش»، الذي يريد هؤلاء الداعشيون القتلة إشاعة صورته ونشرها في كل أرجاء العالم، بمقاطع الفيديو والصور المقززة التي يبثونها بين الفينة والأخرى. وقد بتنا جميعًا على يقين بأن شريط الكساسبة لن يكون الأخير بينها، خاصة في ضوء ما تسرب من نية داعش اختطاف بعض السياح الخليجيين في مصر أو لبنان لتنفيذ أحكام إعدام «مبتكرة» فيهم، انتقامًا من مشاركة تلك الدول في التحالف الدولي المناهض لداعش.