سلم الملك سلمان للوطن ولشعبه هدية مجزية مع تسلمه زمام الحكم موازاة مع هدايا لا تقدر بثمن للتنمية والمستقبل من خلال حزمة القرارات الملكية التي ستقود المملكة بلا شك إلى العالم الأول والمستقبل الأمثل. موظفو الدولة والمتقاعدون والطلبة والطالبات فرحوا واستبشروا كثيرا بقرار صرف الراتبين، وقابلوا الهدية الغالية من مليكهم الغالي بشغف يسبقه الدعاء ويعقبه الرجاء بأن يمن على بلادنا بالخير والعطاء والأمن والأمان. ما أريد أن أناقشه في مقالي هذا أن نكون شعباً ذا مسؤولية في كل الاتجاهات، وأن يعي كل مواطن أو مواطنة تفاصيل هذه الهدية وأبعادها ومستقبلها وأن تسهم المكرمة في عطاء الموظف وتفاعله وإنتاجه ورد فضل الوطن عليه. جاءت المكرمة الملكية الحانية في اتجاهات إنسانية وعاطفية وأبعاد عطاء ومواءمة ما بين القيادة والشعب، ولكن ما ينبغي أن يعيه ويفهمه بل ويتشربه كل مواطن تسلم هذا العطاء أن أسعار البترول منخفضة وأن الأزمات الاقتصادية تحيط بالعالم وبمصادر الدخل الوطني وأن الدولة تحمل على عاتقها مسؤوليات عدة وتحديات مختلفة بدءاً من الأزمات المحيطة التي تعيشها شعوب المنطقة العربية، مروراً بتكاليف ترتفع سنوياً لمواجهة متطلبات التنمية وارتفاع مسؤوليات التوظيف والحوافز السنوية والعلاوات، وانتهاء بعدة مؤشرات تضع القيادة أمام تحديات كبيرة ومتجددة يوميا. لذا وجب على الموظفين أن يتفهموا هذا العطاء والسخاء الذي جاء ليعلن حرص وعطف القيادة على الشعب واهتمام الملك بمتطلبات وهموم ومقتضيات حياة كل مواطن وكل أسرة. صرف الراتبين يجب أن يقابل برد جميل؛ فالدولة صرفت الراتبين في حالة استثنائية وظروف اقتصادية تتأرجح وتواجه التحدي والتصدي لمتغيرات دولية ومستقبلية؛ فعلى القيادات والمسؤولين الحاصلين على الحصة الأعلى من راتب الشهرين أن ينموا روح المسؤولية وحب الوطن ورد فضله في أنفسهم ثم في موظفيهم، وعلى الجميع أن يعمل بروح معنوية مرتفعة توازي الحالة المادية. مما يقتضي أن يرتفع الإنتاج والجهد وحب العمل لأن كل نتاج سيسهم في إيداع نتائج إيجابية متضاعفة في خزينة تنمية الوطن ونمائه ومستقبله. طغى حديث الراتبين على الشارع السعودي في وقت تُقبل فيه الدولة على غد جديد ومرحلة حاسمة حساسة تقتضي التعامل معها بوعي وطني وحس شعبي واستلهام لما هو مطلوب من الشعب لكل شرائحه، فحديث الراتبين سينتهي عند تسلمهما ولكن هنالك طريق مفتوح أمامنا كشعب لتحقيق أهداف القيادة التي أعطت وسَخَت ولا تبتغي وراء ذلك إلا استقرار المواطن والوفاء بمطالبه، وتوفير بيئة من الأمان الاقتصادي والوظيفي والعملي والاجتماعي، وهذا ما حققته ولا تزال المملكة وقيادتها منذ توحيد هذه البلاد ولكن الدور يبقى على كل فرد ينتمي لهذا الشعب الكريم من أن يقابل الكرم بالجميل والعطاء بالإنتاج. أتمنى أن يبدأ كل موظفي الدولة ممن هم على رأس العمل وحتى المتقاعدين منهم خارطة حياة عملية وإسهامية جديدة تبدأ من نقطة المكرمة ولتكن نهايتها متوجة بأهداف معلنة ونتائج حقيقية وواقعية. فليبدأ الجميع مرحلة جديدة من العطاء الوظيفي؛ فللراتبين مردود سيكولوجي وظيفي يجب أن يعود بالإنتاج على المهام المنوطة بكل موظف وعلى مستقبله. أملي أن يكون لدى الموظفين لمسات وفاء وإنسانية، وأن يستفيدوا من عطاء الدولة في منازلهم وفي تعاملاتهم ومع العاملين لديهم من عمالة ومن سائقين، وأن يبادروا بالعمل والإنتاج، وأن يراجع كل موظف ساعات عمله ومنهج التزامه الوظيفي، وأن يعلم قبلها واقع وطنه ومستقبله والمهام المنوطة به كمواطن قبل أن يكون موظفاً وحامي شعب وقبل أن يكون فرداً فيه. أملي أن يكون عطاء الراتبين موجهاً ودافعاً للصدقة والإحسان في الإحساس بالفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، وأن يخصص كل موظف جزءاً ولو يسيراً للتصدق به؛ فما نقص مال من صدقة، فالجود للفقراء يعزز النواحي الإيجابية والتواد بين طبقات المجتمع، ويعزز الوطنية في مجال الشعور بأفراد المجتمع الآخرين. أملي أن يمحو كل موظف من قاموسه اللامبالاة في ساعات الدوام الرسمية وإهمال واجبات وظيفته والتعامل بخلق رفيع مع مراجعيه المواطنين. أملي أن تشعر القيادات بمعدل الراتبين اللذين سيضخان في حساباتهم، وأن يُنمُّوا المسؤولية الوظيفية والاجتماعية والوطنية بين موظفيهم، وأن يبادروا بالتعامل الراقي الموحد مع موظفيهم الصغار قبل الكبار، وأن يعكسوا واجهة جميلة للمسؤول والقيادي. أملي أن يسعى المتقاعدون إلى الاستفادة من الراتبين في أنشطة حيهم، وأن يكونوا أعضاء صالحين في دائرة إقامتهم، وأن يكون لهم دور مجتمعي في مساعدة أهالي حيهم وفي مراجعة الدوائر الحكومية فيما يخص مطالباتهم والتعاون، معا لتكوين مجالس أحياء راقية تحل المشكلات المجتمعية وتؤسس لمستقبل باهر لأحيائهم، وأن يكونوا أنموذجاً مؤسساتياً للوطنية يبدأ من الحي والانخراط في أي عمل أو مسؤولية أخرى حتى لو بالنصيحة والمشاركة أو أي نشاط آخر حتى وإن كان بسيطاً في حيهم يعكس حب الوطن ونماء الفكر الوطني ورد الجميل للقيادة الرشيدة. أملي أن يتغير المفهوم السائد لدينا خصوصا في قطاع الوظائف الحكومية بأنها روتينية وبيروقراطية، وأن تكون قطاعات مؤسسية تقوم على الجهد والتخطيط، وأن يكون الموظف مسؤولاً حتى خارج أوقات دوامه، كلٌ في قطاع عمله؛ فالعمل أولا وأخيرا مهمة وطنية، والوطن أمانة في عنق كل من ينتمي إليه. أملي أن نغير خارطة العمل والإنتاج والمسؤولية المهنية والاجتماعية وأن نكون على قدر المواطنة والمسؤولية الوطنية؛ لأننا في وطن يستحق ذلك وقيادة رشيدة صنعت الأمن وبلورت الأمان وخططت مستقبل الوطن والمواطن نحو العالم الأول.