ليس سراً أن مجموعة «لا يستهان بعددها» من الناس يؤيدون تنظيم داعش الدموي أو يميلون معه أو يبررون جرائمه، فحسابك في تويتر سيكشف لك كمية كبيرة من الذين يستهويهم عنف داعش وهمجيته ودمويته وسلوكه المنحط الوضيع، وسيزيد استغرابك وتكبر دهشتك إذا وجدت في إخوتك أو أبناء عمومتك أو جيرانك بعض الدواعش الصغار، المهيئين في أي لحظة للتطرف والعنف والتكفير! لم يعد الحديث مجدياً عن خطر هذا التنظيم الأثيم علينا كعرب ومسلمين وما سيجره على المنطقة من وبالٍ وخيبات؛ فقد حان الوقت لأن نضع يدنا على الجرح ونضغط عليه بقوة، حتى لو كان ذلك موجعاً لنا ولتاريخنا وتراثنا! فالواقع المر يثبت لنا كل يوم أن داعش «من الناحية الفكرية» صنيعة لبعض التراث وكتبه ونصوصه، فهم حمَلة إرث قديم قوامهُ إقصاء المخالف ومحاربته وتكفيره والاستعداء عليه، وفرض الرؤية الضيقة في فهم وتأويل نصوص الكتاب الكريم وإلزام الناس بها، وعدم التورع في الدماء واستخدام الدين مطية لتنفيذ أجندة سياسية أو حزبية، وقد اعتمد الدواعش في سفكهم للدماء وإحراقهم للأسرى على رؤى تراثية اعتمدت هذه الرؤية وأقرتها وعملت بها! ليس سِراً أن داعش تطبع كتباً وتعتمد مشروعاً ماضوياً ينهل من هذا التراث الموبوء بالدماء، فإن أردنا محاربة داعش والقضاء عليها وعلى كل الفئات المشوهة للإسلام ونقائه فإنه يجب على مشايخنا ومفكرينا ومثقفينا أن يرفعوا صوتهم ويعيدوا قراءة التراث بأسس بحثية دقيقة وتقدير للعقل ودوره في فهم الكون والإسلام والحياة، هناك كثير من المفكرين العرب الذين اهتموا بنقد التراث وتمحيصه ومحاولة فرض قطيعة معرفية وقراءات جديدة مجددة في الفكر الإسلامي أمثال محمد عابد الجابري ومحمد أركون وعبدالجواد ياسين وغيرهم، لكن كتبهم لم تحظ بما حظيت به كتب العنف والتشدد من انتشار وفسح، يجب علينا أن نعي أن الخطر سيطالنا جميعاً إذا لم نتحرك على كافة الصُعد السياسية والفكرية والاجتماعية لاجتثاث هذا الفكر، ولا يمكن أن نجتثه بنفس الفكرة التي نشأ منها فالنار لا تداوى بالنار والدم لا يغسل الدم! علينا أن نجفف المنبع الذي صدر منه هذا البغي وإلا فإن الخطر لن يستثني أحداً!