يعد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز شخصية قيادية متعددة الجوانب، ولكنه في نظر كثير من العلماء والمثقفين والإعلاميين رجل ذو ثقافة ومعرفة واسعة؛ فهو في نظرهم -كما عرفوه- مثقف وله اهتمام بالتاريخ، ويعود إليه كثيرون ممن يبحثون في تاريخ الدولة السعودية لتصحيح وتوثيق كثير من الأخبار والمعلومات، كما أن الملك سلمان الذي كان أكثر الأبناء التصاقاً بوالده وأكثرهم شبهاً في ملامحه وصوته بأبيه، شديد الاهتمام بأنساب القبائل في جزيرة العرب وتاريخها، وهو يعد مرجعاً في تاريخ المملكة العربية السعودية والأسرة السعودية الحاكمة، ولهذا نجد أن من بين إنجازاته دارة الملك عبدالعزيز التي تأسست عام 1972م بأمر من الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله)، لذلك وعلى مدى ما يزيد على أربعين سنة حققت الدارة كثيراً من الإنجازات الوطنية علمياً وتاريخياً وتوثيقياً، والدراسات التي تهتم بتراث تاريخ وجغرافية المملكة في مختلف مناطقها عبر مساحاتها الشاسعة، ما كان لهذه الإنجازات أن تتحقق دون دعم من الدولة والملك سلمان (منذ كان أميراً للرياض) الذي تولى رئاسة الدارة وأولاها كثيراً من جهده ووقته واهتمامه، حين كلفه خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله) بترشيح من الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حين كان ولياً للعهد) مسؤوليتها. شخصية الملك سلمان شخصية بسيطة؛ فهو ذو قابلية للحوار والتزود بالمعلومات، وجمع المعارف، والاهتمام بكل جديد، كان اهتمامه بالصحافة والصحفيين نابعاً من أن الصحافة لها دور كبير في توعية الشعب وبلورة الرأي العام؛ لذلك تقرب منهم، وأذكر أنه في السبعينيات الميلادية، وكنت في بداية عملي الصحفي، يعتبر نفسه في لقاءاته بالإعلاميين واحداً منهم، ويذكر عميد الصحافة الكبير الأستاذ تركي السديري كثيراً من المواقف معه التي تؤكد حرصه واهتمامه بالصحافة والصحفيين. مفتاح شخصيته -حفظه الله- أنه متميز بتعطشه للثقافة والعلوم وتقبل الأفكار الجديدة، التي لا تتعارض مع العقيدة والثوابت، وهو نهم في تحصيله وسعيه لمعرفة الحقائق. قارن الفيلسوف الراحل زين الدين الركابي في كتابه (سلمان بن عبدالعزيز الجانب الآخر) بين الملك سلمان وبين الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أنه ورث عن أبيه العظيم حظاً موفوراً من الخصائص والمواهب، كالذكاء المتوقد وسرعة البديهة، وقوة الإيمان، وقوة الذاكرة التي لا غنى عنها لكل قائد ناجح، وموهبة الانتظام في العمل وتقدير الوقت إلى درجة أن موظفيه والعاملين معه يضبطون ساعاتهم على أوقات عمله وحضوره، ومن الخصائص المشتركة بينهما أيضاً، الشغف المعرفي والنزوع إلى تحقيق تنوع ثقافي متعدد المصادر، فهو يقرأ في الدين والتاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الأنساب والاجتماع، وهو صديق صدوق للكتاب في الحل والسفر، ولهذا تعد مكتبته الخاصة مرجعاً مهماً في تاريخ الدولة السعودية والجزيرة العربية. سلمان بن عبدالعزيز -كما يراه الركابي- رجل تاريخ وفكر وثقافة، شغوف بدراسات التاريخ، حريص على التنوع الثقافي؛ لذلك يعتبره صديقاً للمعرفة والكتاب لإيمانه بأنه سيظل حامل المعرفة الرصينة والثقافة الراقية، فالكلمة المكتوبة كانت سجل الحضارة والإنسانية، ولا تزال كذلك وستظل كذلك. فالقراءة عنده برنامج دائم مفتوح في مختلف حقول المعرفة. من هذا الجانب المضيء، سنعرف الجانب الآخر لشخصية الملك سلمان بن عبدالعزيز.. الملك الإنسان.