إن أساليب الإكراه والإجبار التي تصل أحياناً إلى القمع ومصادرة حرية الآخرين، لا تخدم الإسلام بل تضره، لأنها تصوره ديناً متسلطاً على البشر، وهذا غير مقبول ليس فقط على مستوى الأديان المختلفة، بل يشمل المذاهب والتيارات الفكرية المتباينة بداخل الدين الواحد، ولهذا قال تعالى «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»، وهنا دلالة واضحة على حرية الإنسان في اختيار طريقه بإرادته الكاملة، ووفقاً لما تمليه عليه قناعاته الفكرية واطمئنانه القلبي أيضاً. الإجبار الذي يحدث بصيغة الفرض والقمع أحياناً، يخلو من الاقتناع العقلي والإيمان القلبي، ما يُشيع عدة أمور منها: التدين القسري، الذي يتفشى كثيراً في أوساطنا المحلية، هو أحد نتائج الإكراه والفرض بالقوة. وهذه إحدى الخسائر القيمية الفظيعة التي يعاني منها الجسد الإسلامي، الكم الهائل من قضايا الفساد والتلاعب بالإنسان والصراعات الفكرية والمنافسات غير الشريفة وانعدام العدالة الاجتماعية كلها تُشير إلى تدين أجوف، اهتم ببناء أكبر عدد من المساجد ومجالس الذكر، ولكنه لم يعزز ذلك الدين اللغوي ليصبح سلوكياً وقانونياً، يضبط حياة الإنسان في شتى مجالاتها. إعاقة التفكير، حيث إن الإنسان في المجتمعات الأحادية، يعتاد على تلقي الواجبات والمنهيات، باعتبارها مسلمات بلا إبداء رأي مخالف أو حتى استفهام إنكاري أحياناً. مثلاً، التسليم ببعض الفتاوى الدينية وكأنها مسلمات، جعل كثيراً من الشباب يستجيب لنداءات الجهاد في الدول المجاورة بلا تفكير عن ماهية الجهاد ومعناه وظروفه الحقيقية، الأمر الذي انعكس سلباً على وعي الشباب وواقعهم. الإقصائية والتدمير للأرض، الذي خلفه الإنسان نتيجة لسطوته على حريات الآخرين وتوجهاتهم المختلفة، فجعل التعددية سبباً للاحتراب والاقتتال، ما دمر الممتلكات العامة وخطف أرواحاً بريئة، واستغل منابر الدين لتفتيت الهوية الوطنية والجسد الإسلامي الواحد. وبناء على هذا الواقع، يظهر بون شاسع بين الظاهر والباطن للإنسان. ففي المجتمعات الديمقراطية، تهيمن الحرية بشتى أشكالها البناءة والهدامة، ولكن الفرد العادي يستطيع التمييز بسهولة، فلن تجد شاباً يصلِّي أمام الناس بينما لوحده لا يصلِّي، ولن تجد شابة ترتدي الحجاب في الشارع بينما تخلعه أمام كاميرا الإنترنت. لا حاجة للتصنع والتمثيل والخوف من أعين الناس، السلوك ينبع عن قناعة ذاتية كاملة، وهذا ما يميز أصحاب المبادئ والقناعات الذين يلتزمون بها في الباطن كما الظاهر تماماً، لأنهم يلتزمون بأفكار آمنوا بها راجين رضا الله وليس مخلوقاً سواه. قوله «لا إكراه في الدين» يؤكد أن لا حاجة لمعتقد إجباري، هذا هو الاختبار الذي يواجه المسلمين اليوم، إقامة الإسلام في مجتمع ودولة. فهل يتحقق بالقوة أم بالحوار ثم ترك للإنسان حرية الاختيار كما نص القرآن؟ إنه دور كل مسلم واع مؤمن برحابة الإسلام وقبوله بالتعددية الفكرية والدينية، ومنهجيته السلمية الأصلية، بأن يوصل هذه الرسالة العالمية، ليرفع صوت الإسلام ديناً للمحبة والحرية والسلام.