بين فتنة الأسود، وشهوة اللون، حكمة الماضي العتيق بتراجيديته، وأمل الغد وفرحه، تكشف موهبة الفنان حسان زهر الدين عن نفسها، كقطبين للخلق، زهر الدين أستاذ فنون بالجامعة الأمريكية في بيروت، مواليد 1970م، نحّات يستخدم الحفر على الزنك مادته الفنية الأولى لصورٍ فرّت من دفاتر الماضي واستقرت بغُبارها في طمأنينة الذاكرة، مُتخذة من إشباع الحبر لتلك النتوءات في المنحوتة سبيلاً لتأكيد بقائها. حيث يقوم الفنان بعد صُنعه قوالب من الصور بتعبئتها بالحبر، ثم طباعتها على الورق، هذا الفن المُسمّى بفن الجرافيك، بما يتطلبه من جُهد عضلي واحتراف في التعامل مع الخطوط الدقيقة، التي ستكشف عن درجة إتقانها في الطباعة، وبما سُتفضي إليه من «سحر العتم»، ستبدو كدهشة أو تماثل لتناقض وجودي ديالكتيكي، إن نحن وضعنا أمامه القطب الآخر لهذهِ الموهبة المتميزة، أي الرسومات القَصصية التي يشتهر بها زهر الدين في إبداعاته الوفيرة التي تُزين قصص الأطفال ك «الأصدقاء الأعداء، الحقيبة المُسافرة، أحمر حلو، وسيرة الحمار الأخير..إلخ». يُبدع زهر الدين في قُطبي موهبته، لمتلق مُختلف، هنا ريشة ألوان مائية، تسبح في بحر من الفرح، لدهشةٍ تنطلق نحو الضوء، طفولة مأخوذة بالبريق. هناك أداة حفرٍ تُطرَق بحكمة الماضي، تتصلب في طريقها لتُؤكد خطوها، حيث لا مجال للخطأ، فالحبر كاشف دقيق لرجفة الوقت، أو رخاوة الفكرة، لا مجال للتراجع، الذي قد يُفسد قطعة الزنك رغم صلابتها. «سحر العتم» اسم لمعرض زهر الدين الأول في بيروت، وللعتمة سحر أسود، يجرح برقة، يخطف بخفة وأناقة، يستسلم لعدميته الظاهرة كامرأة تيبس في أطرافها الوقت، برقت في اللون والمُضي، لتحترق في الانتظار. تتكثف الألوان في صور الطفولة، تتكثف جداً حتى ليبدو اللون الأسود بحراً من الألوان الغارقة، كالسنوات التي ننفقها بالساعات أو أصغر وحدات الزمن. هكذا يأخذنا زهر الدين بفنه بين نقيضين، قطبي الوجود والعدم،