أمطرني بالأسئلة وأمطرته بالإجابات لكنه لم يقتنع ولم نصل إلى نهاية النقاش.. لم يشأ صديقي الذي منحني صفة المثقف والمطلع إلا أن أقدم له إجابة حاسمة عن أسباب تطورالثقافة والفن في بلد وانعدامها في بلد آخر وذكر أمثلة لدول عربية. صديقي ليست له علاقة بالأدب والفن لا من بعيد ولا من قريب لكنه أراد أن يعرف ماهو المحرك الحقيقي لتطور ذلك في المجتمعات.. وكلما أوضحت له سبباً فنَّد كلامي بأمثلة أخرى تتناقض مع ما قلته حتى حاصرني لأعيد النظر في إجاباتي التي يبدو أنها كانت تقليدية.. لماذا تتطور الثقافة والفنون في مجتمعات دون أخرى؟ وللإجابة على هذا السؤال فأنت تحتاج إلى التفكير ملياً وإعادة السؤال بشكل آخر.. لماذا تتطور مجتمعات ودول في المجالات الرياضية والتعليمية والصناعية وتتخلف أخرى؟ تطور أي دولة في أي مجال له أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتاريخية.. فتطور المسرح في دولة كالكويت لم يكن لولا وجود معهد للفنون المسرحية ووجود مواهب كان لزكي طليمات دور في صقلها كذلك خروج نجوم مثل القصبي والسدحان وغيرهم والذين كان للأخوين سلام في المسرح الجامعي بجامعة الملك سعود دور في صقلهم.. هناك هواة في كل المجالات الثقافية والفنية والرياضية والعلمية وهناك بيئة مشجعة ودافعة وهناك مجتمعات تقتل الإبداع في أي مجال من خلال نظرتها القاصرة إلى تلك المجالات أو جهلها بقيمتها الاجتماعية، وما ينطبق على الثقافة ينطبق على على العلوم والصناعة، فالنظرة الدونية للعاملين في الصناعة في المجتمع العربي وخاصة الجزيرة العربية أدَّت إلى تأخر التوجه للأعمال الحرفية والصناعية.. وكما أثبتت الدراسات الحديثة فإن أسلوب إدارة الحكومات للدول هو الذي يؤدي إلى تطورالدول صناعياً أو علمياً وثقافياً أو إلى تخلفها. ولايمكن أن ننكر تأثير طبيعة البيئة والمجتمع والعادات والتقاليد والإمكانيات الاقتصادية على حركة التطور في أي دولة لكن يظل للإدارة دورها الأساس في التعرف على طبيعة وإمكانيات مجتمعها وعن العقبات الحقيقية فكل بيئة لها خصوصياتها التاريخية والاجتماعية ولكن من الممكن توظيف ما يمكن توظيفه لتطوير المجتمع في كل المجالات فليست هناك شعوب غبية وأخرى ذكية ولكن هناك إدارات تريد وإدارت لاتريد.. إدارات لها القدرة على أن تشعل شمساً وقمراً وليس شمعة في الظلام لتنهض بمجتمعاتها وتشارك في سباق التقدم العالمي.