تغيَّر المشهد في العراق الذي كان فيما مضى مستقَراً للديانات والأعراق المتنوعة، بعد أن اضطر الضعفاء إلى الفرار بفعل سنوات الحرب والاجتياح الأخير لميليشيات تنظيم «داعش». ورحل كثيرٌ من المسيحيين العراقيين إلى تركيا يحدوهم الأمل في الاستقرار مستقبلاً في الغرب. لكن الأمر ليس بهذه السهولة فقد يضطرون للانتظار سنوات، مع ذلك فإن كثيراً منهم مصمِّم على عدم العودة. وفي مكان انتظار حافلات تكسوه الأتربة في إسطنبول، تجمَّع رهطٌ من اللاجئين القادمين من العراق لتجاذب أطراف الحديث عن أخبار الأحداث الجارية وهم يرتشفون الشاي. ويقول عدنان يوحنا المسيحي السرياني الذي ينحدر من شمال العراق «لن أعود إلى هناك مرة أخرى». وكان يوحنا فرَّ هارباً من وطنه برفقة 9 آخرين من أفراد أسرته، بينهم أبواه الطاعنان في السن، عندما اجتاحت ميليشيات «داعش» شمال العراق في يونيو الماضي. ويستطرد يوحنا «حتى إذا دُحِرَت داعش لن أعود فنحن خائفون للغاية ولم يعد لنا مكان بعد الآن في العراق». ورغم ما تعرض له المسيحيون في العراق خلال الأشهر الماضية، إلا أنهم يعدّون أفضل حالاً من أقرانهم اليزيديين، وهم أقلية دينية سبق وجودها ظهور المسيح بمئات السنين. ويقول بنيامين إيمانويل إسلينا، وهو مدرِّس يبلغ من العمر 35 عاماً ووصل تركيا قادماً من قرية صغيرة خارج الموصل، إنه «كانت هناك 150 أسرة في قريتي قبل ذلك، والآن لم يبق سوى 50 أسرة». وكان عديد من جيران إسلينا من الكلدانيين الذين يتبعون كنيسة شرقية ربطت نفسها قبل مئات السنين بالفاتيكان والكاثوليكية، وآخرون من المسيحيين الآشوريين الذين يقولون إن المذابح استهدفتهم منذ 100 عام تقريباً خلال انهيار الإمبراطورية العثمانية فيما عُرِفَ من قِبَل بعض الدول بالإبادة الجماعية للأرمن. وكان شمال العراق يحتضن فيما مضى مجموعة متنوعة من الأعراق والأديان من بينها بعضٌ من أقدم الطوائف المسيحية، لكن سنوات الحرب قضت على معظمهم. ومنذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، تعرضت المنطقة إلى صراع عرقي عنيف، مما اضطر عديداً من الأقليات إلى الفرار. لذا أصبحت الأديرة الخاصة بالرهبان والراهبات والكنائس مهجورة، وبعضها قام تنظيم «داعش» بتفجيره في سعيه لتطهير الأراضي التي غزاها وإقامة دولة متشددة. ويقول اللاجئون في تركيا إن «الحياة هنا صعبة لأنه لا يُسمَح قانوناً بالعمل» رغم أن الحكومة التركية تعهدت بعدم إعادتهم قسراً إلى العراق. وينتظر هؤلاء تحديد موعد للمقابلة مع مسؤولي الأممالمتحدة لدراسة حالة كلٍ منهم على أمل أن يتم توطينهم في أوروبا أو أمريكا الشمالية أو أستراليا، وهم يدركون أن سنوات المصاعب التي فُرِضَت على الأقليات في الشرق الأوسط تعني أن لديهم غالباً أقارب يعيشون في الخارج وعلى استعداد لاستضافتهم. لكن الحكومات لم تفتح ذراعيها لهم حيث فرضت قيوداً على الهجرة، كما أن منظومة الأممالمتحدة ليست بأفضل من ذلك. وقالت الأممالمتحدة لمعظم اللاجئين إنه سيتعين عليهم الانتظار حتى عام 2021 بل وربما بعد ذلك التاريخ قبل أن يتم تحديد موعدٍ لهم للمقابلة ما يعني أنهم أصبحوا عالقين في طي النسيان لمدة 6 سنوات على الأقل. ويقول فاوي عيسى الذي يشعر بالحنين إلى أيام حكم ديكتاتور العراق السابق صدام حسين حيث يقول إن المسيحيين كان يتم حمايتهم بشكل أفضل «لا يوجد عمل في إسطنبول والحياة هنا مكلفة للغاية، إنني أنتظر فحسب موعد مقابلتي مع الأممالمتحدة حتى أتمكن من الخروج من هنا». ورفضت الأممالمتحدة مراراً وتكراراً طلبات لشرح سبب التأخير لفترات طويلة في معالجة مشكلة اللاجئين. في المقابل قامت كندا التي يُنظَر إليها على أنها تتبع نظاما يتسم بالسخاء مع المهاجرين بتوطين 20 ألف شخص من العراق في غضون السنوات الخمس الماضية. ويقول المتحدث باسم سلطات الهجرة الكندية، ريمي لاريفيير، إن بلاده ستستقدم 5 آلاف شخص آخرين من تركيا بحلول عام 2018. ولا يمثل هذا الرقم إلا نقطة صغيرة في بحر كبير، حيث يلجأ أكثر من 1.5 مليون سوري في تركيا وحدها، إضافةً إلى عشرات الآلاف من العراقيين الذين يعتقد كثير منهم خاصةً المسيحيين أن وطنهم قام بطردهم.