المدينة التي سكنتك فاستكنت إليها.. تُشعل بخور الضباب لاستقبالك تتكاثف في سمائها الأسئلة، بعد غياب مفاجئ، احترفته الحدود وأمعنت في وجعه بروتوكولات السفر.. الوجوه.. دعوة لحوار الوجود تقرأ: هنا سيرة عُمر.. مكتوبة ناحية الدهشة أو ناصية القلب.. هنا مغبون تمرد وجعه فعاد.. يلعق خيبته إشارة كونية.. فيقرأ المُضي شكلاً آخر للانكسار المطار الذي يتفرّس مشاعري كعابرة لسلالات من الطين.. يبتسم بوقار ناسك.. يقرأ النبوءات ويرتق حجب الغيب.. أعبره وأحمل الأمل عصاي.. أهش بها قطيع أحلامي مرة.. ومرة أرسم بضوء النجمة.. ظلالاً أقطع المطار أو أفتح باب المدينة فتعودني دوخة الأحاسيس الأولى حين كنت أنظر إلى هناك.. فيباغتني سؤال عن هنا..! وإذا بي أتعكز صمود الجبال وأمضي.. خلف تخوم غد واثباً أمضي.. تعود بي لذة من احتراق.. ………………… هسهسة كائنات لا كون لها سوى أفق روح فرَّت من صلصال جسد.. شهقات موجٍ تتعالى في انحدار العاصفة أنتِ وهما.. يا أنا وعواصف دهشة.. أمطار حنين أتذكُرين حين كتبت قبل عامين: «بعد قليل أُباشر حزم أمتعتي..غادرتكم مفرداً وأعود إليكم جمعاً، أحمل معي أمومتي وحبي الكبير، أُغادر بلاداً كَبُرت فيها شتلات أحلامي أمومتي، وصبري وانتظاري، أعود لبلاد بَذر فيها حلمي وعزمي وإرادة زيّنها أصدقاء، غيابهم عن مفاصل الوقت وحده قرينة غربتي، أواصل حزم أمتعتي.. أحزم معها بعض أفكاري تلك التي تتشتت هنا وهناك على شارعٍ مشيته وحنيني لأحبتي يفرك قلبي.. على حارةٍ مشطتُ شوارعها ذهاباً وإياباً حتى خلتها وطناً مُصغَّراً نسيت فيها غربتي ونسيت هي الأخرى اختلاف ملامحي». أعود الآن لطقوس المضي، تراتيل الغياب تشهق نحو تلك الأمكنة، تلك التي لا يشعر بوهج حياتها إلا من علق شيئاً من شغاف روحه بين مفاصل جدرانها، كُلّما شدَّها نحو غياب.. تفلَّتت من ذاكرته أيقونات الوفاء، الخيانة، أنا، هم، هنا، هناك.. ويمضي!