حين تذهب لمعرض سيارات فيفاجئك المعرض بتخفيض في الأسعار يصل إلى ال 50% من سعر السيارة التي تريد شراءها، فلا شك بأنك ستقتنص الفرصة وتشتري السيارة على الفور، خوفاً من نهاية العرض أو نفاد الكمية، لكن لو قيل لك: إن على باب المعرض لصاً يسرق السيارات بمجرد خروجها من المعرض، و لم يسبق أن أُعِيد شيءٌ من السيارات التي سرقها، فمن الجنون أن تغامر بشراء السيارة حتى لو وصلت نسبة التخفيض إلى ال 90 %، لأنك تخشى أن يؤذيك اللص بالإضافة إلى أنه سيسرق سيارتك. ليس صحيحاً أن الأسعار تخضع دائماً لقانون العرض والطلب، فهناك حالات استثناء لا ينطبق عليها هذا القانون، وتتطلب تدخلاً سريعاً من الحكومة من أجل أن تعود إلى وضعها الطبيعي، وهذا الحال ينطبق تماماً على ما جرى في سوق الأسهم السعودي، حين انهار من غير أن يكون ذلك عائداً لأسباب فنية، بقدر ما هو ناتج عن غيابٍ للمعلومات وتداول للشائعات وأقوال للمرجفين، فصحيح أن أسواق الأسهم معرضة لتقلبات حادة وفيها مخاطر كبيرة، كما أن فيها رابحين وخاسرين، لكن الأرباح والخسائر يجب أن تقوم على أساس المعايير الفنية المعروفة، أما أن تكثر الأقاويل والشائعات والأراجيف دون توضيح من أحد، مع أن المستثمرين اتخذوا قراراتهم ورتبوا محافظهم وحددوا أوقات الدخول والخروج بناء على هذه المعلومات، فهذا إجحاف بحقهم، لأن المستثمر يتحمل مسؤولية قراراته في الحالات العادية، أما في الحالات الاستثنائية فالحكومة هي المسؤولة عن حمايته، فمن المستغرب أن سوق الأسهم قبل أسابيع كان ينزف والناس تتبخر أموالهم بشكل يومي إلى أن اقتربت خسائر المؤشر من ال 40%، فخسر من خسر وأفلس من أفلس، بينما كان الصمت هو سيد الموقف، وما أحد يدري بشكل قاطع عن أسباب هذا الانهيار!. يرجع بعضهم أسباب هذا الانهيار إلى انخفاض أسعار النفط ووصوله لما دون ال 60 دولاراً، لكنه لا يعرف لماذا تحت نفس هذه الظروف من العام 2005م، وعندما لم يتجاوز سعر النفط ال 60 دولاراً وصل السوق السعودي لما يزيد عن ال 20 ألف نقطة، إلى أن حدث الانهيار الشهير عام 2006م، ولم يكن ذلك الانهيار مستغرباً، بل الأغرب ألا يحدث، لأن الأسعار وصلت إلى أرقام فلكية، على العكس تماماً من هذا الانهيار الأخير، إذ كان رد السوق السعودي على قرار أوبك مبالغاً فيه، خصوصاً أن هذا القرار تم بدفع من بعض دول الخليج وعلى رأسها السعودية، و من الواجب أن يتصرف السوق بشكلٍ يتواءم مع إرادة الدولة، حتى لو كان ذلك القرار عائداً لأسباب سياسية لا اقتصادية، ومن الواجب في هذه الحالة ألا يدفع المستثمر وحده ثمن هذا القرار، بل يجب على الدولة أن تتدخل فيما هو في صالحه وبما يساعد على التقليل من خسائره، لأن الأفراد إنما اتخذوا قراراتهم بناء على أسباب اقتصادية خالصة، غير أن وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي نفى أن يكون هذا التراجع عائداً لأسباب سياسية، ولما عاود النفط الارتفاع من جديد ووصل لما فوق ال 60 دولاراً، عاد النعيمي لتذكير العالم بأن من الصعب قيام المملكة أو أوبك، بأي إجراء قد ينجم عنه تخفيض حصتها في السوق وزيادة حصص الآخرين، فعاود النفط الهبوط من جديد لما دون ال 60 دولاراً، حتى لكأن الوزير لا يريد للنفط أن يرتفع!. أعتقد أن كثيراً من المستثمرين الذين خرجوا من السوق بخسائر فادحة، ما كان هذا ليحدث لهم لو أن وزير المالية عجل بتطمين الناس عن الميزانية، أو أن وزير النفط أخبرهم بعد يومين من قرار أوبك بما أخبرهم به أخيراً و بعد أن وصل السوق إلى الحضيض، أما رئيس هيئة سوق المال فلا يبدو أن لديه علماً بما كان يحدث!، فمن المفترض أن تكون القرارات الحكومية متكاملة، ولا بد من وجود صانع للسوق يعيد التوازن إليه عند الحاجة حتى لا يفقد الناس ثقتهم فيه، فالذين سُيِّلت محافظهم ورجعوا من السوق بما هو أفلس من خفي حنين إنما يتحمل وزرهم أولئك القابعون في مكاتبهم، وجادوا بوصل حيث لا ينفع الوصل، ولعل هذه الممارسات تكشف سراً من أسرار غياب الثقة عن السوق السعودي، وتحل لغزاً من ألغاز أن يكون سوقنا هو أسرع أسواق المنطقة وصولاً إلى القاع، وأكثرها تأثراً بالشائعات والأخبار السلبية، حتى لكأنه استلهم – خطأً- قولَ أبي فراس الحمداني: ونحن أناس لا توسط بيننا… لنا (القبر) دون العالمين أو القبر.