منذ أكثر من 30 سنة، أي منذ بداية تشكّل «الصحوة»، والمكتسبات الثقافية في انحدار مستمر، تسجل خسارة تلو أخرى على صعيد الغناء والفنون المسرحية والموسيقية، التي كانت متبناة طيلة عقود من قبل جمعيات الثقافة والفنون ولو بشكل خجول. أقول (بشكل خجول) لأن المتتبع للّجان المتفرعة من أعمال الجمعية، سرعان ما سيلاحظ أنها تتآكل بفعل القوى المتشددة، وصار من السهل شطبها من ذاكرتنا بفتوى احتسابية! فعلى سبيل المثال -لا الحصر- نلاحظ أن «لجنة الغناء» تحوّلت -بقدرة قادر- للجنة «الإنشاد»، ولجان الموسيقى ضاقت بمفهومها الثقافي الواسع لتكتفي بالحضور الفلكلوري، الذي في الغالب ما تختطفه ثقافة المركز على حساب الأطراف! جميع مَنْ أدار الجمعيات الثقافية ينحدر من وعي واسع بالانفتاح، أهّله من قبل وزارة الثقافة والإعلام، أو الرئاسة العامة لرعاية الشباب ليحتلّ هذا المنصب، ابتداءً من الأمير بدر بن عبد المحسن، وصولاً للأستاذ سلطان البازعي، مروراً برؤساء الفروع ال 16. ورغم قتال هؤلاء في سبيل تقديم ثقافة فنية متنوّعة حرة، تتطلّع إلى المستقبل، وتحاول أن تلحق بالركب الثقافي العالمي، متحدّين بالفعل الفني «داعش» وأخواتها، غير أن المنظومة الثقافية الاجتماعية المحافظة كانت دائماً أعتى منهم جميعاً. الآن، وبعد نجاح الحملات الاحتسابية المنظمة على تقييد الفعاليات الفنية في الجمعيات، لم يعد مستغرباً أن تتحوّل مسارحنا جميعها -ذات يوم- لخيام صيفية داعشية للشباب دون أي متن أو هامش يؤسس لفسحة ثقافية أخرى. هذه النتيجة جاءت بعد مقدمات طويلة فرّختها مصانع التعليم والإعلام والخطاب الديني المتطرف، الذي لم يرد أن يسمع الناس صوتاً سواه.