لم تشأ الأمسية الأخيرة من أمسيات «ملتقى جواثى الثقافي الثالث» الذي نظمه النادي الأدبي في الأحساء، أن تخرج، أمس، دون أن تثير حراكاً نقدياً عن الشعر، فبينما كان الجمهور النخبوي متعطشاً لحضور المفردة أو القصيدة الشعرية للثورات العربية الحاضرة، لم يلقِ أي من الشعراء الأربعة شيئاً في الربيع العربي، فالشاعرة التونسية حياة الرايس، التي غرقت في الحداثة، مع زميلتها الشاعرة السورية بهيجة إدلبي، لم تحركهما الثورتان التي فازت إحداهما، ولم تزل الثانية تشتعل، أما الشاعران السعوديان الدكتور محمود الحليبي، وناجي حرابة، فلكل منهما حكايته الشاعرية المختلفة. الناقد القاص طاهر الزراعي قال ل “الشرق”: توقعنا أن نسمع شعراً ثائراً مواكباً للحدث العربي، وجراح الأمة، ولكن نستطيع أن نقول إن تجربة الشاعر ناجي حرابة تميزت بتوظيف المفردة الشعرية لتواكب الصورة البلاغية في شعره، أما الدكتور محمود الحليبي فكان بودنا أن نسمع منه أفضل مما سمعناه في الأمسية، بما أنه شاعر يتربع على قائمة شعراء الأحساء، لكن شعره الليلة انصب على الطبيعة والحياة وغيرهما، بيد أن الشاعرتين بهيجة وحياة اختارتا أن تكونا حداثيتين في شعرهما، ولكن لم توفقا في توظيف مفرداتهما حداثياً جيداً، وسمعنا شعراً هذه الليلة أقل من المتوقع من الشعراء. وقال الشاعر عباس العاشور “لو كانت الدهشة كنز الرغبة الملحة في الذات وقصائد الشعراء الأربعة هي خرائط الوصول إلى هناك، حيث الدهشة في أقاصي المعاني والإيحاءات المتحجبة بالحرف، والمتسترة بالمفردات الوقورة، تأخذنا الشاعرة حياة الرايس باتجاه الدهشة عبر خريطة، مليئة بالمنعطفات فلا نصل بدون أن تعبّأ حقائبنا بالتعب والمشقة، أما الشاعر محمود الحليبي فرغم الخطوط المستقيمة في خرائطه تظل المسافات إلى الدهشة أبعد وأطول من عمر الوقت المتبقي قبل نهاية الطريق فتصل، وتشعر أنك لم تصل، رغم كثافة الدهشة في قصائده التي تحاكي سطوع شمس الضحى. ويضيف العاشور إن قصائد الشاعر ناجي حرابة ليست بحاجة إلى خرائط للوصول إلى الدهشة، فقط قف على أول موجة في قصيدته، وستأخذك إلى هناك، موضحاً أن الشاعرة بهيجة أدلبي أجادت في لعبة الخرائط بشكل ذكي، وإذا وصلت إلى الدهشة في قصائدها، فإنك لن ترغب في العودة أبداً. من قصيدة ل”بهيجة أدلبي”: أغيب في السر حين السر يتبعه سر وحرف سعى فيه تضرعهُ وأستعير من الرؤيا نوافذها فتستوي في شغاف الروح مطلعهُ وأمسك الريح من صحراء رحلتها فتفرد السر في روحي وتمرعهُ ومن قصيدة ل»حياة الرايس»: الخريف هو فصلنا، الخريف هو موعدنا ما بين خريف وخريف أحاول أن أستعيد معك لذة البدايات ولحظة انبهاري الأول ودهشتي البكر كان ذلك في يوم من أيام الخريف الداكنة وفي عشية من عشياته الساكنة وقد كان قلبي حينها كالعتبات المعتمة لا يغري بالدخول ولا يحتفل بأحد