كما افتتح الشعر ملتقى جواثا الثقافي الذي أقامه النادي الأدبي بالأحساء مساء الاثنين الماضي يختتمه ايضا مساء الأربعاء ليؤكد أن الأحساء واحة الشعر ومنبت الشعراء عبر التاريخ.كان ختام جواثا الشعري محلقا محملا بالشجن مقاوما لكل اللحظات المختزلة للتعب والمنثورة في ذوات عشقت التحليق . أمسية شعرية تنوعت فيها المشاعر مثلما تنوعت اللهجات ليكون صوت الشعر موحدا لكل الاختلافات والاتجاهات والرؤي الفكرية والابداعية كان الحضور لافتا جمع بين محبي الشعر من الشعراء و النقاد من الجنسين . كانت البداية مع مدير الأمسية الشاعر أحمد العمير الذي صاغ دخوله شعرا ليقدم فرسان وفارسات الأمسية وتوزيع حصص الشعر مناصفه بينهم.. استبق د.محمود الحليبي ثلاثة شعراء حين ابتدأ بقصيدته (استهلال ) بأسلوب سردي .. «سألتني أنت من أي العرب قلت من أمتى وأحلاها نسب أبدت البشرى وقالت لي هلا أين سكناك لعلّي أقترب قلت لا سكنى فروحي طائر لايرى في قربكم غير النصب أسكن الأفياء في حي الرؤى وأغني حين يغزوني التعب» ثم تلاها بقصيدة (تقاسيم بوح ) : «لروحك روحي قطفت جنايا وبعثرت حولك أغلى الخبايا وحلقت فوق جناحيّ عشقك أنشره من عميق الحنايا مريدك قلبي وحسنك شيخي وعشقية كل تلك الزوايا ولكنني لست ممن تهاوت رؤاه فمكنت منها هوايا لأني أعلم حدّ أناك وأدرك أيضا حدود أنايا أحبك باح بحبي قلبي وطابت سريرته والنوايا تفوح حديقة بوحي وردا فينسكب الحرف عطرا ونايا» وخصّ الحليبي البحر بقصيدة .. «للبحر همهمت الحزينة حين تخدعني السنابق والفؤاد يرى خديعتها براءة للبحر حين أرد على رصيفة عمري مشارفه التي نهشت أشعتها ليال الغدر في زمن الرداءة للبحر أسراري إذا ضاقت بها نفسي وتاقت للهواء الطلق تركض فوق شاطئه تداعبه يلاعبها وتلثم وقت غفلته هواءه للبحر حسي حين تظمؤه سوافي البيد زرقته نوارسه زوارقه تعيد له رواءه للبحر صوتيَ حين تلتفت الحبيبة عن حديثيَ لم تعد تصغي ملامحها لشاعر يحتلني « وختم قصائده بقصيدة «شذى شاعرة» . مناخ مغاير انتقل صوت الشعر ليحملنا إلى مناخ مغاير مع الشاعرة التونسية حياة الرايس .. والتي لونت قصائدها الطبيعة والتغزل بجمالياتها ودقائق تفاصيلها بدأت جولتها وهي تبدي ارتياحا بفصل الخريف على خلاف من يراه فصلا مزعجا . تقول في قصيدتها: «كل خريف وأنت حبيبي» «لكن في الخريف تستيقظ كثير من الأشياء الميتة على رائحة الأرض بعد المطر جاءتني يومها غيمة زاخرة لتمطر أرضا صحراوية العطش فاستفاق القلب وأينع كما تنبع العشبة الخضراء من قلب الحجر «» بعدها قرأت الرايس قصيدة قالت فيها: «جئتك في موكب تحف به النجوم والشعر ينتشر في كل مكان ثم أكملت تقول :والقصيدة هي التواطؤ الجميل بيننا وقالت في زوايا أخرى من القصيدة : الكون ملك يميننا من النبض إلى النبض وفي الصباح غسلت شعري بغيوم الفجر على فراش الرذاذ العارض الباذخ .» وكان لجولة الرايس طعم التنوع في تحريك أغراض القصيدة ففي جولتها استدعت رايس القائد صلاح الدين في غمرة ما ينتاب الأمة العربية من ثورة وغضب و اختتمت بقصيدة معنونة برسالة لم يقرأها أحد ،وهي تستذكر شخوصا في «رسالة إلى رجل سبعيني». العم طرفة الشاعر الهادئ ناجي حرابة خرج من صمته وقاوم الوقت ليمتلك فرصته حتى آخر ثانية من غير أن يسمح لأحد أن يسلبه حقة , ضبط ساعته وأسرج الخيل لينطلق في الميدان الشعري بكل أناقة .. خاطب ناجي حرابة في قصيدة له المتنبي بالأبوة ونعت طرفة بن العبد بالعم وانتقل يحاور أبويه وحبيبته «هنا عند ضلع المشقر يا أبتي بحت لي بالقصيد كان بوحا قصيرا كعمرك لكنه سال في الرمل نهرا من الخصب منه اكتسى باخضرار الأناشيد وجه الجريد كان صدرك وردة حب وكان الأسى حارس القلب يطعم روحك للنار فوق شفاه الوقيد..» ثم ألقى قصيدة أحسك : أُحِسُّكِ في مُهْجَتي نَجْمَتَيْنِ اثْنَتَينِ تَطُوفَانِ حَوْلَ الحَلَكْ فَتِلْكَ تُرِيْقُ السَّنَا كالمُدَامِ وتِلْكَ تُرَتِّبُ جَرْيَ الفَلَكْ ثم قصيدة .. إيْذَانٌ بانْبِجَاسِ القَصِيْدَة: «يَدِيْ القَوْسُ لا بُدَّ ليْ مِنْ رَشَأْ هُنَا مَرَّ سِرْبُ المَعَانِيْ الرِّهَافِ عَلى أَضْلُعِيْ وانْكَفَأْ عَلَى رَبْوَةِ الحِبْرِ شِبْهُ النُّعَاسِ يَشُدُّ خُيُوطَ الخَيَالِ ويَصْنَعُ لِيْ بالرُّؤى مُتَّكَأْ أَرانِيْ أَقُدُّ قَميصاً مَن البِيْدِ أَزْرَارُهُ النَّوْقُ تَحْجُبُ صَدْرَ الظَّمَأْ أَجُوْبُ الرِّمَالَ الحَرِيْرِيَّةَ الشَّدْوِ فَوْقَ أَدِيْمِ الرِّيَاحِ عَسَى التِّيْه يُشْعِلُ عُوْدَ الكَلأْ» اللوعة والكبرياء أما الجولة الأخيرة في جواثا فكانت قصائد الشاعرة السورية بهيجة إدلبي التي جاءت محملة بالصدق والشجن والحزن واللوعة والكبرياء المستعصي على البكاء بنبرة صوت مبحوحة قالت : «بصحبة الليل حين ثملت صحوا وحين صحوت أسكرني مداه ..وبي عشق يصلي في دمائي.. ويعرج بي إلى أعلى علاه.. بلغت مقام من عرفوا فهاموا.. وهمت كان قلبي شفاه .. فمن بلغ المقام أقام فيه ومن عرف الهيام فلاسواه تجلت الصوفية في شعر إدلبي وهذا ما لوحظ على الأبيات السابقة لكنها نحت في قصيدة «اتساع» منحى آخر إذ تقول : «أيها الحرف في دمي كم شقيتا بك أرمى هوى وبي قد رميتا انت تشكيل رحلتي وخيالي تكشف الوجد في الرؤى إن عميتا « تخلل قراءات إدلبي تصفيق حار من الحضور تفاعلا مع المعاني العرفانية والصوفية التي تضمنتها أبياتها . وفي الختام توج أدبي الأحساء ضيوفه بدروع تذكارية وكذلك تم تكريم شاعر الملتقى عبدالله الخضير . وذكر الدكتور ظافر الشهري انه سيبعث برقية شكر وعرفان باسم كل من ساهم في تأسيس وإنجاح هذا الملتقى من مشاركين وجمهور و اعتبر نجاح الملتقى هو نجاح للجميع ثم قدم الإعلامي صالح غريب من دولة قطر الشقيقة درعا تذكارية لرئيس لنادي د. ظافر الشهري وللشاعر محمد الجلواح . والتقطت الصور التذكارية أمام جمع غفير متخم بمشاعر الحب والود.