هل يُعتبر الخليج في نظر بعضنا بلاد النفط فقط؟ سؤال يجب علينا إثارته في ظلّ ما نعيشه من تغيرات سياسية واقتصادية تمرّ بها المنطقة العربية، ولعلّ الحكمة أن نتدارك هذه الصورة النمطية التي كُرِّست في رؤية بعض حكومات وشعوب العالم، الاقتصاد عصب الحياة ولا شكّ، ولا تنمية حقيقية ثابتة في الأرض سامقة في السماء بلا اقتصاد قوي ومنتج، لكن الاعتماد الأُحادي على النفط في بناء الدول محفوفٌ بمخاطر عديدة؛ أولها أنّ البترول صديقٌ مخاتل يجلب طمع الأعداء! وثانيها أن أسعار النفط لا تدوم على وتيرة واحدة تمكّن الدول من رسم خططها عليه، وما حصل من انخفاض النفط في الأسابيع الأخيرة شاهدٌ على أن الدولة التي لا تنوّع مصادرها تقع عُرضةً للارتباك وربما الخسارة! الاقتصاد الريعي الذي نعتمد عليه بشكل كبير يبقى رهين الأحوال السياسية المتقلبة، ونحن في منطقة تنقلب في كل يوم على جانب، فلا مناص من السير في طريق أكثر أماناً وأقلّ كُلفة! هناك أنواع عديدة من الاقتصاد لم نرَ لها حضوراً قوياً في معظم دول الخليج مع أن الدول الست قادرة على خوض غمارها متى استصحبت العزم الحقيقي واستثمار الإنسان، خذوا مثالاً: شركة «آبل» العالمية جَنَت في أسبوع واحد من منتجها «آيفون 6» أكثر مما ربحته إحدى الدول النفطية من عائدات النفط في نفس المدّة! وهذا ما يُسمى ب «اقتصاد المعرفة»، أي الاعتماد على المعرفة التي يبدعها العقل البشري في الاقتصاد! وقد سبقتنا فيه دول ليس في باطنها شيء وهي اليوم في درجة رفيعة من سُلّم الاقتصاد العالمي! أمرٌ آخر أرجو أن يحظى بالاهتمام؛ وهو أن بعض هوامير دول العالم تنظر إلى المنطقة العربية نظرة الجائع إلى اللقمة، (موقع استراتيجي + بحار من النفط)، وهذه النظرة السيئة تحتاج منّا إلى وقفة تأمُّل عميقة، فالمعيار الأول الذي يحترمه العالَم هو معيار القوّة! ففي السياسة تحديداً: الضعفاء لا يحترمهم أحد وإن كانوا نُبلاء طيبين! والقوة التي أعنيها لها اتجاهات كثيرة متقاربة الأهمية، فبالإضافة إلى القوة العسكرية والدهاء السياسي هناك قوة عالية النفع؛ ألا وهي الجبهة الداخلية للدولة، وهي استثمار الإنسان والاهتمام بوعيه وحقوقه وحاجاته المعيشية ووئامهِ مع مجتمعه، ولا يكون ذلك إلا بالإسراع في التنمية الحقيقية التي تخدم الإنسان ومكافحة كافة أنواع الفساد المالي والإداري وتوسيع دائرة المشاركة في القرار بمجالس الشورى وفرض مزيد من الصلاحيات، وكذلك رفع سقف الصحافة وتمكين الرأي الآخر من الحضور والاهتمام الكبير بالشباب ودعمهم، وغيرها. الخليج ليس نفطاً فقط كما يقول محمد الرميحي، هو إنسان وتاريخ وثقافة وأشياء كثيرة وعزيزة تبعث في أبنائه الاتحاد والتعاون، ونحن في مرحلة مفصلية يمر بها تاريخنا الحديث، وسيحفظ التاريخ الأسماء العظيمة لقادة الخليج الحكماء الذين يسعون مع شعوبهم نحو الوحدة والنهضة والتنمية.